العربية بين قراءة التراث وتطبيق النظريات المعاصرة
المقدمة:
في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة عُقِد المؤتمرُ الخامسُ لقسم النحو والصرف والعروض، يومَي الأحد والاثنين: 1، 2 مارس 2009م، وكان بعنوان "العربية بين قراءة التراث وتطبيق النظريَّات المعاصرة"، برعاية أ.د/ حسام كامل رئيس جامعة القاهرة، ورئاسة أ.د/ محمد عبدالمجيد الطويل عميد الكلية، كما كان مُقرِّره أ.د/ أحمد كشك رئيس القسم وعميد الكلية السابق.
الدول المشاركة في المؤتمر:
وقد تنوَّعت المشاركات من الدُّول العربيَّة والإسلاميَّة التالية: مصر، السعودية، قطر، المغرب، سلطنة عمان، الجزائر، الكويت، ليبيا، العراق، السودان، اليمن، الإمارات، إيران، ماليزيا.
أهمية المؤتمر:
ويكتسب هذا المؤتمر أهميته من أهمية موضوعه الذي يتناوله؛ حيث أصبحنا الآن في منعطف طريق خطير بالنِّسبة للدِّراسات اللُّغوية العربية، فبين غارق في التُّراث يستخرج كنوزه، ويزيل الغُبار عنه، وآخر استهوته الدِّراسات والنظريَّات اللُّغوية الحديثة، فأغرَقَنا بسيل من النظريَّات التي من الممكن ألاَّ تكون مناسبة؛ فهذا المؤتمر جاء كمحاولةٍ للنَّظر في مسألة "صب القالب في القالب" - كما يقول أ.د/ أحمد كشك - لذا كان لا بُدَّ من تجميع هذه النُّخبة من العلماء العرب المسلمين؛ للتعرُّف على آرائهم، والاستفادة من خبراتهم، وطرح سُبُل الحفاظ على خصوصيَّة اللغة العربية بكل مستوياتها، وأفضل الطُّرق والنظريَّات الغربية، وأنسبها لدراسة هذه اللغة العريقة.
محاور المؤتمر:
دار المؤتمر حول المحاور الرئيسة التالية:
المحور الأول: الجانب الصوتي للعربية.
المحور الثاني: الجانب الصرفي للعربية.
المحور الثالث: الجانب النحوي للعربية.
المحور الرابع: الجانب العروضي للعربية.
المحور الخامس: الجانب النصي للعربية.
المحور السادس: الجانب الدلالي والمعجمي للعربية.
نُبذة مختصرة عن المشاركات:
ضمَّ هذا المؤتمر على مدار اليومين خمسةً وأربعين بحثًا، ألقيت في سبع جلسات، وكان من بحوث هذا المؤتمر على سبيل المثال لا الحصر:
- الشاهد الشعري في مبحثي الفصاحة والبلاغة بين قراءة التراث وتطبيق النظريات المعاصرة، للدكتور عيد شبايك، الأستاذ ورئيس قسم اللغة العربيَّة بكلية الآداب، جامعة المنوفية، وفي هذا البحث أشار الأستاذ الكريم إلى أثر الشاهد الشِّعري في مسيرة الدَّرس اللُّغوي والبلاغي والنَّقدي قديمًا وحديثًا، وكونه مثارَ نقاش بين البلاغيِّين والنُّقاد؛ مما أدَّى إلى ازدياد حركة النَّشاط النَّقدي، خاصَّة فيما يتَّصلُ بالنظريَّات المعاصرة، وقد رأى أن يتناوله تناولاً يهدف - في المقام الأول - إلى إعادة النَّظر في قراءة هذه النُّصوص النقديَّة والبلاغيَّة قراءةً فاحصة متأنية، في إطار موقع هذا الشَّاهد من القصيدة، وتأمُّلِ معناه في سياقاتِه المتعددة، ومتابعة ملابساته، وكان مما ميَّز هذا البحث رُؤيةُ صاحبه - في صراحة ووضوح - أن "معاودة قراءة التُّراث البلاغي والنَّقدي مُحاولة للوصل بين ما توارثناه، وبين ما نعاصره، وما يستحدث من نظريَّات، ولكن دون التعصُّب للتُّراث أو التقليل من شأنه".
- النظريَّات اللغوية الحديثة واللغة العربية، للدكتور إبراهيم الدسوقي عبدالعزيز، الذي تناول فيه: المراحل التي مرَّت بها الدِّراسات اللُّغوية، حتَّى وصلت إلى التحويليَّة التوليديَّة بتوابعها التي لا زالت في طَوْر الاكتمال حتَّى الآن، ومن هذه التَّوابع العديدة: نحو الحالة، ونحو العلاقات، ونحو "مونتاجو"، ونحو بنية التعبير المعمَّمة، ونحو الشَّبكة، كما يعرض هذا البحث لمثالٍ من نَحو الحالة في الرَّفع، وقد اختار الفاعل وعرض لدَوْره في الجملة بين الفاعليَّة المنطقية، التي هي الأداءُ أو الإصابة، والوظائف الأخرى التي تظهر من خلال معاني صيغ الأفعال عند الصرفيين.
- المصطلح النَّحوي وإشكالات الدلالة بين الدَّال والمدلول، مقاربة أوَّليَّة، للدكتور تامر عبدالحميد أنيس، الذي تناول فيه: ما يعانيه الدَّرس النَّحوي المعاصر من حالة تضخُّم اصطلاحي تُشبه - إلى حدٍّ بعيد - حالةَ التضخُّم الاقتصادي الذي يَمُرُّ به أهل اللغة العربية، وليس من شأن هذا البحث الحديثُ عن نشأة المصطلح النَّحوي وتطوُّره، وتَبايُنه بين بصري وكوفي، وإنَّما مقصده الإبانة عمَّا يكتنفه من عَلائقَ تثورُ حولها تساؤلاتٌ منهجيَّة ينطبع أَثَرُها على جُزئيَّاته، ومن ثَمَّ انشعب إلى جزءين:
الأول: في مفهوم المصطلح وشروطه، وما يدورُ حول ذلك من مسائل لا بُدَّ من استجلائها؛ لما لها من أَثَرٍ في العَلاقَةِ بين دالِّ المصطلح ومدلوله.
والثاني: في الكلام عن مُشكلاتِ المصطلح النَّحوي، وهي مُشكلاتٌ تتجسد بصورة واضحة في حقل دَرْسِ التَّفكير النَّحوي، والتحليلات الاجتهاديَّة للكلام.
- أغراض الخطاب في التوجيه النَّحوي، دراسة دلالية تداوليَّة، للدكتور مصطفى عبدالعليم، وقد حاولَ فيه أن يبرز البُعد التَّداولي للدَّرس النَّحوي القديم، من خلال تسليط الضَّوء على الدلالات التداوليَّة للأساليب النَّحوية، وذلك من خلال مُقدمة وثلاثة فصول:
الأول: في الأغراض الإخباريَّة، مثل: الإفادة، وأمن اللبس، والتأكيد، والبيان.
والثاني: في الأغراض التأثيريَّة، مثل: التشويق، والتلطُّف، والإغراء، والتهديد، والإنكار والسُّخرية.
والثالث: في الأغراض الإنجازية، مثل: الأمر، والنَّهي، والنِّداء، والعرض، والتحضيض، والتمني، والتَّرجي.
- تكامل الأصل والفرع في البناء العَروضي، للدكتور عرفة عبدالمقصود عامر، الأستاذ بكلية دار العلوم - جامعة القاهرة، وفي هذا البحث يُبرز الأستاذ قيمةَ الأصل والفرع، التي يُساعد إدراكُها وفهمُها على إدراك وفَهْم أُسُسِ العَرُوض عند الخليل بن أحمد، كما تناول بالتحليل بعضَ الإشكالات التي أثارتها - في رأيه - دراسةٌ[1] رَأَى "اصطدامَ صاحبِها عند التحليل الوصفي للأسس العروضيَّة بما قرره الخليل من ثوابت".
- العولمة وأزمة الوعي اللُّغوي، للدكتور أحمد عفيفي، الأستاذ بكلية دار العلوم - جامعة القاهرة، وقد تناول فيه: مفهوم العولمة وإشكاليتها، ومفهوم أزمة الوعي اللُّغوي وأشكالها، وكيفيَّة الخروج من هذه الأزمة، كما تناول فيه رُؤية مستقبليَّة للعربية في عصر العولمة.
- التعقيد في الدَّرس النَّحوي، نظرة في المظاهر والأسباب، للدكتور مصطفى عدنان العيثاوي، الأستاذ بكلية الآداب - جامعة الملك قابوس، وتناول: قدم الشَّكوى من النَّحو العربي وتجددها، وأثر المنطق في ظهور التعقيد النَّحوي، ومسائل النُّحاة التي ساهمت في هذا التعقيد، كما تناول أثر الفقهاء في هذا التعقيد.
- اتِّساع الأقيسة المعجمية، دراسة وصفية نقدية، للدكتور محمد العمراوي، تناول فيه: مفهوم القياس بين النُّحاة والمعجميين، ومظاهر الاتِّساع في هذه الأقيسة، ومُسوِّغات المعجميين في ذلك الاتساع، وكذلك اتساع الأقيسة المعجمية بين التقييد والإطلاق، كما تناول بالتحليل رأيه الخاص في منهج المجمع في توسيع هذه الأقيسة.
- الوجه المشرق للخلاف النَّحوي، للدكتور حامد صبحي السيوطي، وقد تناوله من خلال أربعة مباحث:
الأول: بيان أسباب الخلاف النَّحوي وتحليل هذه الأسباب.
والثاني: إعطاء نماذج مشرقة أسهم فيها الخلاف النَّحوي.
والثالث: إعطاء نماذج مرفوضة للخلاف النَّحوي.
وجاء المبحث الرابع لإعطاء نماذج من اللُّغة المعاصرة، قام الخلاف النَّحوي بدور كبير في قبولها لغويًّا.
- التماسك النَّصي في سورة يوسف، للدكتورة ذكرى يحيى القبيلي، تناولت فيه أدوات التماسُك النَّصي، مثل: الإحالة، والضمائر الإشارية، وكذلك الضمائر الموصولة.
- العلَّة الصوتية في "القراءات السبع"، لابن مجاهد، في ضوء الدَّرس الصوتي الحديث، للدكتور حمدي صلاح الدين، الأستاذ بكلية اللغة العربية بالقاهرة، جامعة الأزهر، وقد قامت هذه الدِّراسة بجمع العلل الصوتيَّة في هذا الكتاب ودراستها دراسة علميَّة تقوم على أسس الدَّرس الصوتي الحديث؛ مما جعلها تجمع بين أصالة الموضوع ومعاصرة التناول.
- المعجم العربي التعليمي الواقع والطموح، للدكتور محمد عبدالله علي العبيدي، الأستاذ بجامعة قطر، وقد ألقى صاحبُه الضَّوء على أهم التَّجارب المؤسسية والفردية العربية في هذا المجال.
- علل الإمالة والفتح، المحور الأول: الجانب الصَّوتي للعربية، للدكتور محيي الدين سالم، وقد تناول موضوعه في مبحثين: الأول: يعرفنا فيه بالإمالة كظاهرة صوتيَّة، وأصحابها وأنواعها، كما بيَّن الأحرفَ المختلف في إمالتها عند القراء السبعة، في النِّصف الأول من القرآن الكريم، مُبينًا علل إمالة تلك الأحرف، وفي المبحث الثاني يعرفنا بالإمالة الصُّغرى وكذلك بالفتح، وهو ضد الإمالة بدرجتيها: "الكبرى والصغرى".
- عناصر الإيقاع في مراثي الخنساء، للدكتور عبدالله لطف صبار، تناول فيه: العناصر الخارجية: "البحر العروضي، القافية"، والعناصر الداخليَّة: "التَّرْصيع، التصريع، التصدير".
كما كان من البحوث المشاركة في هذا المؤتمر:
- الغريب في القرآن: دراسة دلالية ومعجميَّة، "سورة يوسف نموذجًا"، للدكتورة نادية رمضان النجار.
- نظرية البناء اللُّغوي، منهج بديل لدراسة الدَّرس النحوي التقليدي، للدكتور حسن بشير.
- توهم النحاة في جمع التكسير ينبئ عن عدم الخضوع لسلطان قانون التَّطوُّر اللُّغوي، للدكتور عبدالفتاح الحموز.
- بلاغة النص في شعر القطامي، قراءة تأويلية في نظرية بلاغة النص، للدكتور صالح عطية مطر.
- علل تشبيه إن وأخواتها بالفعل الماضي، عرض ونقد، للدكتور حسن خميس الملخ.
- منهجية تحليل التعريفات في تراث الحدود النَّحوية في العربية من خلال شرح حدود الأبذي النحوية، لابن قاسم المالكي، للدكتور خالد فهمي.
- المصطلح النحوي لدى السمرقندي في كتابه "المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى"، للدكتور ناجي محمد حين عبدالجليل.
- أدب الاختلاف في الثَّقافة العربية، النحويون نموذجًا، للدكتورة سها عبدالستار السطوحي.
- سطوة آراء السيوطي والبغدادي على آراء المحدثين في قضية الاستشهاد بالشعر القديم، للدكتور عباس على السوسوة.
- الطول عند سيبويه، دراسة في المفهوم وأثره، للدكتور حسين أحمد بوعباس.
- لزوم الفعل وتعدِّيه بين البنية والدلالة، للدكتور عادل يوسف عبدالله أبوغنيمة.
- محاولة تأصيل نظرية نحو النَّص من التراث النَّحوي العربي بين المنهجية والتكلف، للدكتور بندر بن حمدان الشمري.
- علم اللغة النَّصي وتجاوز المعياريَّة، للدكتور حسام أحمد فرج.
- الربط بالإحالة في القرآن الكريم، دراسة أسلوبية في تحليل الخطاب، للدكتور عمر خاطر وهدان.
- أثر السياق في تعدد مرجعيَّة الضمير، للدكتورة فريدة حسن معاجيني.
- البنى النصيَّة في معلقة زهير بن أبي سلمى، دراسة في علم لغة النَّص، للدكتورة عزة شبل محمد.
- الموسيقى الشعريَّة في قصيدة التفعيلة، وأثرها في التشكيل والدلالة، للدكتور مصطفى عراقي حسن.
- مكانة الشعر ومفهومها في تعليم النَّحو العربي، دراسة تطبيقية على ألفية ابن مالك، للدكتور سيد حميد رضا مهاجراني.
- العلاقة بين الأوزان والأغراض في الشعر العربي، للمُحاضر عادل حسن طه.
- الخلاف النحوي بين ابن الأثير وابن أبي الحديد من خلال كتابيهما "المثل السائر"، و"الفلك الداثر"، للدكتور عادل شلقامي.
- ظاهرة إضافة الأعلام وتحليتها بأل، دراسة وتأصيل، للدكتور أحمد عبدالفتاح حسن.
- دلالة حرف "لما" في اللُّغة العربية، للدكتور كريم حسنين إسماعيل عبدالمعبود.
- أهم صعوبات التعلم في مادة النحو، وأثرها على الدرس النحوي للعربية، للدكتورة نجاة عبدالرحمن علي اليازجي.
- المصادر اللغوية عند الجوهري في الصحاح، تحليل ومنهج للدكتور مهدي بن علي القرني.
- مناهج اللسانيَّات الحديثة: "الأخطاء الدلالية التي يقع فيها طلاب الدراسات الإسلامية كنموذج"، دراسة مقارنة، للدكتورة أسماء عبدالرحمن.
- شواهد امرئ القيس في التراث النَّحوي، للدكتور محمد عبدالعال محمد.
التوصيات النهائية للمؤتمر:
انتهى المؤتمر بعد عرض بحوثه ومناقشتها إلى مجموعة من التوصيات والاقتراحات، نوجزها فيما يلي:
أولاً: يؤكد المؤتمر على أهمية التواصل بين الدِّراسات النحوية وغيرها، والعمل على إصدار دليل دَوري يشتمل على ما أُنْجز من دراسات لُغوية ونحوية في العالم.
ثانيًا: يوصي المؤتمر السَّادة المشاركين بتقوية الصِّلات العلميَّة بينهم، عن طريق المراسلات؛ لتُعرَف اهتماماتُهم البحثيَّة، وفتحِ باب التعاون العلمي الأكاديمي المشترك بينهم.
ثالثًا: يوصي المؤتمر بضرورة التوعية اللُّغوية لدى مستخدمي العربية، وتأكيد أهميتها في تجسيد الوعي القومي والانتماء الوطني.
رابعًا: يوصي المؤتمر وسائلَ الإعلام بضرورة ترغيب المستمعين والمشاهدين والقراء في اللغة العربية، وبيان أهميتها لدى أهلها.
خامسًا: يُوصي المؤتمر بأن يكون النَّحو والصرف والعروض مدخلاً لقراءة النصوص العربية الراقية، وتفسيرها تفسيرًا دلاليًّا من خلال الإيقاع والبنية والوظائف النحوية.
سادسًا: يوصي المؤتمر الجامعات العربية بدعوة الأساتذة اللُّغويين الغربيين المتخصصين في النظريَّات اللغوية المعاصرة؛ لإلقاء محاضرات في تخصصاتِهم، كما يُوصي بضـرورة زيادة عدد المبعوثين إلى الخارج؛ لنيل الإجازات العلمية في التخصصات اللغوية.
سابعًا: يُوصي المؤتمر بضرورة الحفاظ على القيم الثابتة في التُّراث العربي في الدراسات النحوية التُّراثية، والإفادة من الدِّراسات اللغوية المعاصرة بما يخدم اللغة العربية على أفضل صورة.
ثامنًا: يوصي المؤتمر بضرورة احترام الثَّقافات المتنوعة، والتفاعُل مع عالميَّة الثقافة من خلال الأخذ بإيجابيَّات العولمة اللغوية والثقافية.
تاسعًا: يُوصي المؤتمر بالاهتمام بمعالجة الضَّعف اللُّغوي، من خلال تعاون المؤسسات الفاعلة في الدولة.
عاشرًا: يوصي المؤتمر بأن يكون موضوع مؤتمر العام القادم عنوانه: "سيبويه في آثار الدَّارسين".
هذا؛ وإلى اللقاء في عُروض قادمة، إن شاء الله، والله ولي التوفيق.
--------------------
[1] هذه الدراسة للأستاذ الدكتور محمد عبدالعزيز، في المؤتمر الرابع لقسم النحو والصرف والعروض، الذي كان بعنوان "العربية والدراسات البينية".
-------------------------
عن موقع الألوكة : http://alukah.net/articles/56/5570.aspx