يضاف إلى هذين الطريقين أن الطالب يكتسب، في غالب الأحيان، ما عند أستاذه من عادات؛ ذلك أن الأستاذ يظل مثالاً يُنظر إليه ويقتدى به. فإذا كان الأستاذ نفسه ملتزمًا بعناصر المنهج العلمي كلها، وغير متسامح في تجاوز أيٍّ منها في أبحاثه هو فسوف يلتزم الطالب بما التزم به أستاذه. أما إذا كان الأستاذ لا يأبه بتلك الأصول ولا يقيم لها وزنا، ويتجاوزها كلما كتب، فسيكون الطالب لها أضيع وسيكون التزامه بها أقل.
وحين يَخرج الطالب إلى حياة التأليف فسيسير في الغالب الأعم على الطريقة التي كان عليها، فإذا تعود في فترة دراسته العليا على الالتزام بالمنهج العلمي فهو لن يحيد عنه في أبحاثه، أما إذا استمرأ الخروج على تلك المقاييس وهو في مرحلة يفترض فيها أنه أقل حرية، فهو لن يتورع عن تجاوزها وهو بكامل حريته دون رقيب أو مؤاخذ، إلا القارئ الذي قد يغفل أو لا يحفل.
والصلة بين هذه المقدمة وبين ما سيقال هنا وثيقة جدّا. فقد حاول كاتب هذه الدراسة في مناسبة سابقة أن يبين أن ما كتبه الدكتور رمضان عبد التواب في اللسانيات لا يتفق في أكثر مظاهره مع ما تعارف عليه الباحثون من أصول منهجية.
فالسؤال الملح، إذن، هو: ما مدى تأثير طريقة الدكتور رمضان عبد التواب في الكتابة على طلابه. وللإجابة عن هذا السؤال لابد من استعراض بعض ما كتبه طلابه حتى تكون الأحكام أقرب إلى الصدق وأبعد عن التجني.
ويريد كاتب هذه الدراسة، بدءًا، أن يصحِّح انطباعًا ربما يقوم في أذهان بعض القراء، وهو أن ما سيقال هنا ينطبق على تلاميذ رمضان عبد التواب جميعهم. لكن هذا ليس واردًا أبدا، بل إن هذا التعميم يناقض مناقضة جذرية الدعوة إلى المنهجية العلمية التي دعت إلى كتابة هذه الدراسة وما سبقها. فيجب أن يفهم، إذن، أن ما سيقال هنا لن ينطبق تلقائيًّا على غير من سيرد ذكرهم، وأن لابد من فحص كل كتاب بمفرده فحصًا جيدًا قبل أن يوصف بالخروج على المنهج العلمي أو بخضوعه لمقتضياته.
وسيقتصر البحث هنا على كتابين لاثنين صرَّحا بأنهما من تلاميذ الدكتور رمضان عبد التواب. والكتابان هما: "دراسات في علم اللغة الوصفي والتاريخي والمقارن" تأليف صلاح الدين صالح حسنين، الرياض، 1405هـ / 1984م، و"ملامح من تاريخ اللغة العربية"، تأليف أحمد نصيف الجنابي، 1981م.
دراسات في علم اللغة الوصفي والتاريخي المقارن:
يخرج هذا الكتاب خروجًا بينًا على أبسط قواعد المنهج العلمي وأعرافه. ولولا أن القارئ لا يرضى بالأحكام المختصرة، ويتطلب بدلاً من ذلك إقامة الدليل صراحة، لَما احتاج الأمر لأكثر من ثلاث جمل أو أربع تؤكد أن هذا الكتاب لا قيمة له ولا جديد فيه ولا غناء به.
فطريقة المؤلف في التأليف من أول صفحة في الكتاب إلى آخر صفحة فيه ينطبق عليها ما يسمى بطريقة "القص واللصق"، تلك التي تقوم على أخذ المؤلف كلام الآخرين وآرائهم بنصها ووضعها كما هي. فكيف يستطيع الفاحص لهذا الكتاب أن يؤاخذ المؤلف على رأي ما وهو ليس له؟ فليس من سبيل إذن إلى مناقشة ما في الكتاب من آراء، وبدلاً من ذلك سيكون موضوع البحث هنا شكليًّا صرفا.
وتجدر الأشارة إلى أن رمضان عبد التواب، أستاذ المؤلف، قد قدم لهذا الكتاب بمقدمة كانت الفقرتان الاولى والثانية فيها (ص 3)، مأخوذتين نصًّا من كتابه "المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي"، 1403هـ (ص 181). ويؤكد المقدم أن هذا الكتاب ". . . يجمع بين دفتيه خلاصة التجارب الطويلة للمؤلف في الدراسات اللغوية، وحصيلة القراءات الطيبة في هذا الميدان" (ص 4). ولو أن صاحب المقدمة كلَّف نفسه بمراجعة الكتاب بدقة للفت نظره ما يلفت نظر أي قارئ عادي.
أما المؤلف في مقدمته فهو أكثر تواضعًا ومعرفة بقيمة عمله؛ فهو يقول: "ولا أزعم أنني أتيت في هذا الكتاب بما لم يأت به الباحثون الآخرون في العالم العربي، ولكنني لخصت كافة الاتجاهات اللغوية في هذا الكتاب، بعد أن كانت موزعة هنا وهناك. . .". (ص 6). لكن غاب عن ذهنه أن عهد الملخصات قد انتهى، فقد كان التلخيص مزدهرًا عندما توقف الانتاج العلمي أو كاد، وعندما كان العلم يقوم على الحفظ. أما في هذا العصر فالقارئ لا يرضى بهذا، بل هو أحوج إلى التفصيل والتعمق. ولا يرى بأسًا أن يراجع أكثر من كتاب حول نقطة معينة.
وللتدليل على طريقة "القص واللصق" التي أتبعها "المؤلف" في هذا الكتاب يكفي إيراد بعض الشواهد، وبإمكان القارئ أن يثق أن ما في الكتاب كله لا يخرج عن مثل ذلك.
وتجب الإشارة، في البداية، إلى أن المؤلف لا يغفل ذكر المراجع التي أخذ عنها، غالبا (ولو أنه حدث أن أخذ مرة من مقال داوود عبده، دون أن يشير إليه، (انظر ص 127، 130 ـ 137) حيث أخذ من (ص 113، 116، 119، 122) في ذلك المقال.
غير أن طريقته في الاستشهاد بالآخرين لا تخضع لقوانين الاستشهاد أبدا. فهو، أولاً، يأخذ النصوص بنصها مع الحذف هنا وهناك، كما تطول النصوص المستشهد بها في غالب الأحيان، وتتابع، ويضاف إلى هذا أنه لم يستعمل علامتي التنصيص إلا مرة أو مرتين في الكتاب كله.
وتتلخص طريقته في النقل بالمجيء بالنص المستشهد به دون أن يقدم لذلك، وإذا انتهى منه أشار في الهامش إلى أنه أخذه من مرجع كذا. صفحة كذا، وكثيرًا ما يأخذ من مرجعين في فقرة واحدة ثم يخطئ في نسبة ما أخذه إلى موضعه الصحيح. وأبرز مكان لوجود مثل هذا في الباب الخامس الذي يناقش علم اللغة المقارن (ص ص 215 ـ 243).
أما بعض الأمثلة التي تبين طريقته في النقل فهي ما يلي:
ـ فقد نقل حرفيًّا ما يوجد في ص ص 33 ـ 34، من كتاب R.H. Robins General Linguistics: An Introductory Survey, روبنز "اللسانيات العامة: مقدمة".
وكذلك ما في (ص 114، 115، 119، 175، 176، 177، 178، 179) مأخوذ بنصه من روبنز.
ـ كما أخذ من كتاب "البنيوية في اللسانيات" للدكتور محمد الحناش في مواضع كثيرة جدا. ومن أمثلة ذلك أخذه في (ص ص 56 ـ 58) من كتاب الحناش (ص ص 62 ـ 69). انظر كذلك (ص ص 62 ـ 68، 75، 77، 78.. إلخ).
وكذلك أخذه من مقال جون سيرل "تشومسكي والثورة اللغوية" وهو مترجم ومنشور في العددين 8 ـ 9 ، المنشورين في مجلد واحد من مجلة "الفكر العربي" 1979م. فهو ينقل عن ذلك المقال في (ص ص 80 ـ 82، 82 ـ 83، 84، 85 ـ 86، 87).
ولزيادة التوضيح، انظر نقله عن كتاب "أضواء على الدراسات اللغوية المعاصرة" للدكتور نايف خرما، 1979م، فهو ينقل عنه في (ص 93، 94، 95، 73 ـ 84)، ونقله عن "دراسة الصوت اللغوي" للدكتور أحمد مختار عمر، 1396هـ / 1976م، في (ص 106، 107، 108، 109، 110، 112، 113.. إلخ).
وكذلك نقله عن مقال للدكتور داوود عبده "ترتيب تطبيق القواعد الصوتية في اللغة العربية" 1982م، (ص 127، 130 ـ 137)، ومن مقاله الآخر "التقدير وظاهر اللفظ" مجلة الفكر العربي، العددين 8 ـ 9ـ 1979م وذلك في (ص ص 82 ـ 85) إلى غير ذلك.
المراجـــع :
يتبع الباحثون طرائق عديدة في كتابة المراجع في آخر الكتاب أو المقالة، لكن تلك الطرق تتساوى في الصحة والدقة والوفاء بالغرض. أما قائمة المراجع في هذا الكتاب فهي مثال للخروج على هذه الشروط الثلاثة. فهناك إلى جانب النقص في المعلومات عن المراجع، أخطاء في تسعة وعشرين مدخلاً من بين اثنين وخمسين هي كل ما في القائمة. وتتنوع هذه الأخطاء: فبعضها خطأ في سنة الطباعة، وبعضها في اسم المدخل، والبعض الآخر في اسم المؤلف، أو مكان الطباعة.
ويعد الخطأ في سنة الطباعة أكثر الأخطاء شيوعا. فهناك عشرون مدخلاً أخطأ في سنة طباعتها؛ فهو يذكر، مثلاً أن "مناهج البحث في اللغة" لتمام حسن، مطبوع 1980م، بينما المبين على غلاف ذلك الكتاب هو 1979م.
وكذلك مقال جون سيرل "تشومسكي والثورة اللغوية" ومقال داوود عبده "التقدير وظاهر اللفظ"، 1979م. لكن المؤلف يضع تاريخ الطبع 1980م، وكتاب بروكلمان الذي ترجمه رمضان عبد التواب ونشرته جامعة الرياض، 1977م يجعل سنة طبعه 1975م، وكتاب "الدراسات اللغوية عند العرب إلى نهاية القرن الثالث الهجري" لمؤلفه محمد حسين آل ياسين، المنشور في بيروت، 1980م، تاريخ طبعه هنا 1978م وغير ذلك.
كما أنه قد يقع خلاف في تاريخ الطبع بين ما في قائمة المراجع وبين ما يذكر في حواشي الكتاب: فسنة طبع كتاب روبنز General Linguistics: An Introductory Survey في قائمة المراجع 1965م، بينما يورد في (ص 34)، هامش (1) أنها 1976م. وكذلك كتاب "الدراسات اللغوية عند العرب إلى نهاية القرن الثالث الهجري" فسنة طباعته في قائمة المراجع هي 1978م بينما هي في (ص 50، هامش 2) 1980م. كما يذكر في المراجع أن سنة طباعة كتاب "النحو العربي والدرس الحديث" لعبده الراجحي هي 1978م، بينما يورد في (ص 63) أنها 1979م. . . وهكذا..
أما الأخطاء في أسماء المداخل في قائمة المراجع فهي ثمانية: فبعضها نتيجة خطأ مطبعي مثل "الصدق اللغوي" لأحمد مختار عمر بينما المقصود "الصوت اللغوي" وليس هذا باسم الكتاب، فالاسم الصحيح له هو "دراسة الصوت اللغوي". والكتاب الثاني: العربية معناها ومبناها، بينما اسم الكتاب "اللغة العربية معناها ومبناها". وكتاب رمضان عبد التواب، "التطور اللغوي: مظاهره وعلله وقوانينه" هو هنا: التطور اللغوي وقوانينه.
وكذلك كتاب Palmer بالمر فهو هنا Descriptive and historical Linguistics "اللسانيات الوصفية والتاريخية" بينما اسم الكتاب "اللسانيات الوصفية والتاريخية: مراجعة نقدية" Descriptive and Comparative Linguistics: A critical review وهناك خمسة أخطاء في أسماء المؤلفين أو المحققين، فاسم محقق كتاب "طبقات فحول الشعراء" في هذه القائمة هو محمد محمود شاكر بينما الصحيح، هو محمود محمد شاكر، وO'Conner أوكونر يورده Oconer وPalmer، بالمر، Palmar ومحققو كتاب "المزهر في علوم العربية" عنده هم السقا وآخرون. أما الصحيح فهو محمد أبو الفضل إبراهيم وآخرون.
كما أنه قد يذكر أن مؤلف كتاب معين هو فلان في قائمة المراجع في حين أنه يذكر في صلب الكتاب اسمًا آخر لمؤلف ذلك الكتاب، ومثل هذه الحالة مؤلف كتاب Comparative Linguistics "اللسانيات المقارنة" فهو في قائمة المراجع Robert Lado روبرت لادو، أما في (ص 218) فهو Robert Lard روبرت لارد.
ولم ينج اسمُه هو واسمُ كتاب له وسنةُ طبع ذلك الكتاب من هذه الأخطاء. فيذكر أن مؤلفًا اسمه صلاح صالح له كتاب عنوانه "المدخل إلى علم الأصوات" مطبوع في القاهرة سنة 1980م. أما اسم المؤلف الذي يوجد على غلاف ذلك الكتاب فهو صلاح الدين صالح حسنين، وكتابه "المدخل إلى علم الأصوات: دراسة مقارنة"، وسنة طبعه 1981م.
ومما يتعلق بالمراجع أنه يذكر بعض الكتب في صلب الكتاب، لكنه لا يوردها في قائمة المراجع. وتلك الكتب هي: "مدخل إلى علم اللغة العام" لكمال بدري (ص 23) ويذكره أيضًا في (ص 37)، ويوحي بأنه مطبوع في الرياض سنة 1982م؛ لكن الكتاب لم يطبع بعد. وكذلك كتاب شوقي ضيف "المدارس النحوية" حيث جاء ذكره في (ص 49)، و"علم اللغة المبرمج" لكمال بدري في (ص 102)، ويشير إلى أنه مطبوع سنة 1401هـ بينما هو مطبوع سنة 1402هـ، و"مغني اللبيب" لابن هشام، (ص 174)، و"في اللهجات العربية"، (ص 204)، ومذكرة غير مطبوعة لمحمود حجازي (ص 221)، و"أثر الثقافة الإسلامية في الفكر اللغوي عند اليهود" لصلاح صالح (ص 232).
كما أنه لا يفرق بين الطرق التي تكتب بها الكتب والمقالات والمخطوطات في قائمة المراجع؛ فهناك ثلاثة مقالات كتبت بطريقة لا تختلف عن الطريقة التي تكتب بها الكتب، وتلك المقالات هي مقال جون سيرل "تشومسكي والثورة اللغوية" ومقالان لداوود عبده هما "التقدير وظاهر اللفظ" و"ترتيب تطبيق القواعد الصوتية في اللغة العربية". أما المخطوط فهو "في العربية ولهجاتها" لسعد مصلوح. وقد ذكر في (ص 204) أنها مذكرة لطلاب كلية دار العلوم.
ولقد ضمن المؤلف قائمة المراجع أربعة عشر مدخلاً باللغة الإنجليزية ونصيبها من الأخطاء كبير جدًّا، فهناك أخطاء متنوعة في اثني عشر مدخلاً منها. ولعدم تتبع كاتب هذه الدراسة لمواضع الإحالات فيها كلها فلا يستطيع الجزم برجوع المؤلف إليها من عدمه. إلا أن الإحالات إلى واحد من تلك الكتب صحيحة وهي الإحالات إلى كتاب روبنز غير أن النصوص المستشهد بها موجودة في كتب أخرى باللغة العربية. (انظر محمد أحمد أبو الفرج، مقدمة لدراسة فقه اللغة. بيروت: دار النهضة العربية 1966م). لكن هناك كتابين اثنين من المؤكد أن المؤلف لم يرجع إليهما، وهما Linguistics"اللسانيات" لمؤلفه David Crystal ديفد كريستال. والكتاب الآخر هو "مقدمة للسانيات الوصفية" An Introduction to Descriptive Linguistics ، تأليف Gleason جليسون.
أما الكتاب الأول فقد أحال إليه المؤلف تسع مرات في (ص 25، 32، 45، 63، 64، 79، 80، 118، 149). وعندما يرجع القارئ إلى الصفحات المحال إليها في ذلك الكتاب لا يجد شيئًا يتعلق بموضوع الإحالة، فيرجع إلى تاريخ الطبعة التي اعتمدها المؤلف فيجدها 1970م، لكن الواقع أن الطبعة الأولى لهذا الكتاب كانت سنة 1971م، كما أن الكتاب ليس له طبعة ثانية إلا أنه أعيد نشره كما هو عدة مرات، فمن غير المحتمل، إذن، أن تختلف أرقام الصفحات عنها في الطبعة الأولى.
وكما حدث في كتاب Crystal حدث في كتاب Gleason؛ فقد أحال إليه أربع مرات في (ص 109، 110، 111، 112)، مع أن الصفحات المحال إليها في ذلك الكتاب خالية تمامًا من مواضع الإحالة، بل إنه أحال في (ص 109) إلى (ص ص 250 ـ 260) من ذلك الكتاب على الرغم من أن ما بين هاتين الصفحتين يعود إلى فصلين مختلفين، فمن (ص ص 250 ـ 256) يتحدث فيه عن الأصوات ومن (ص ص 257 ـ 260) يتحدث فيه عن "الفونيم". فلا صلة إذن بين الموضوعين. وقد ذكر المؤلف في قائمة المراجع أن الطبعة التي اعتمد عليها هي طبعة 1966م، ومكان الطباعة الهند. أما المعروف فهو أن للكتاب طبعتين أمريكيتين 1955م، و 1961م، وطبعة بريطانية 1969م. كما أعيد نشره كما هو في بريطانيا 1970م، و 1973م.
ملاحظات أخرى:
يحيل المؤلف في بعض الأحيان إلى مواضيع معينة من بعض الكتب، لكن المتتبع لتلك الإحالات يجدها غير دقيقة. ويكفي مثالان لبيان ذلك:
أ ـ يحيل في (ص 67) إلى (ص 96) من كتاب "البنيوية في اللسانيات" لمحمد الحناش، 1401هـ ـ 1980م، غير أن الصفحة هذه لا تتضمن أي شيء عن الموضوع الذي يتحدث عنه. كذلك في (ص 68) حيث يحيل إلى (ص 75) من البنيوية في اللسانيات، وفي (ص 70) حيث يحيل إلى (ص 80) من الكتاب سالف الذكر، وفي الصفحة نفسها يحيل إلى موضعين في هذا الكتاب، لكنه لا يعطي رقم الصفحة. وفي (ص 71) حيث يحيل إلى (ص 86) من ذلك الكتاب إلى غير ذلك. يضاف إلى ذلك عدم الدقة في أرقام الصفحات المحال إليها؛ ففي (ص 57) يحيل إلى (ص ص 64 ـ 65) بينما يجب أن تكون الإحالة إلى (ص ص 64 ـ 66)، وفي (ص 112) حيث يحيل إلى (ص ص 99 ـ 102) في دراسة الصوت اللغوي، بينما يجب أن تكون الإحالة إلى (ص ص 100 ـ 102).
ب ـ كذلك في بعض الإحالات إلى كتاب مناهج البحث في اللغة لتمام حسان. ففي (ص 126) يحيل إلى ذلك الكتاب دون ذكر رقم الصفحة، وموضع الإحالة في (ص 181) فيه، وكذلك إحالته إلى ذلك الكتاب في (ص 128، 129) فهو يحيل إلى (ص 298) غير أن الباحث لا يجد شيئًا عن ذلك في تلك الصفحة، وكذلك في (ص 143) حيث يحيل إلى (ص ص 304 ـ 308)، وليس هناك أي شيء له علاقة بالموضوع المناقش، وكذلك في (ص 157) عند الإحالة إلى (ص ص 90 ـ 91)، وكذلك عندما يحيل في (ص 158) إلى (ص ص 99 ـ 101).
الأخطاء المطبعية :
يكاد يستحيل أن تجد صفحة في هذا الكتاب دون وجود الكثير من الأخطاء المطبعية، فالذي يبدو أن المؤلف لم ينظر في الكتاب بعد أن دفعه إلى المطبعة أو أنه أوكل مراجعته إلى أحد طلابه.
وبعض تلك الأخطاء في أسماء سور القرآن الكريم؛ فسورة الشعراء يقلبها الخطأ المطبعي إلى "سورة السفراء" (ص 17)، وسورة العلق إلى "سورة الفلق"، وكتاب علم اللغة إلى "علم الله" (ص 60)، والصوت اللغوي إلى "الصدق اللغوي".
ومن المستحيل وضع قائمة بتلك الأخطاء لأنها ستبلغ صفحات عدة.
ملامح من تاريخ اللغة العربية :
يختلف هذا الكتاب عن الكتاب السابق في استخدام طريقة "القص واللصق"؛ فالكتاب السابق ينتزع فقرات وأحيانًا صفحات ثم يصفُّها بعضها بجانب بعض ويكوّن منها أبوابًا وفصولا. ولا يغفل ذكر مَن أخذ منهم في أغلب الأحوال؛ ففيه جهد، على الأقل. أما الكتاب موضع المناقشة هنا، فصاحبه أقل شطارة وأكثر صراحة، فما دام أن العملية التأليفية عندهما تقوم على الأخذ الحرفي من الآخرين، فلماذا التمويه؟ ولماذا التلفيق؟ وذلك ما جعل من كتاب "دراسات في علم اللغة الوصفي والتاريخي والمقارن" مسخًا لا طعم له ولا نكهة.
أما "ملامح من تاريخ اللغة العربية"، فيقوم على نزع فصول كاملة من بعض المؤلفات، وبذلك تتميز الفصول بالوحدة الموضوعية على الأقل.
فالفصل الثاني من الباب الأول (ص ص 23 ـ 49) مأخوذ برمته من "فصول في فقه اللغة العربية" لرمضان عبد التواب (ص ص 98 ـ 99، 102 ـ 134)، والفصل الثالث من الباب الأول (ص ص 51 ـ 62) مأخوذ من الفصل الأول من الباب الثاني في فصول في فقه اللغة العربية لرمضان عبد التواب (ص ص62 ـ 75) مع حذف بعض الكلمات والجمل.
أما الباب الثالث (ص ص 135 ـ 211) فهو مأخوذ رأسًا من ترجمة عبد الحليم النجار لكتاب يوهان فوك "العربية". فالفصل الأول من هذا الباب (ص ص 135 ـ 157) مأخوذ من ترجمة النجار (ص ص 7 ـ 47) مع زيادة جملة هنا وجملة هناك، وما في الفصل الثاني (ص ص 159 ـ 182) مأخوذ من ترجمة النجار (ص ص 85 ـ 99) والفصل الثالث (ص ص 183 ـ 191) مأخوذ من ترجمة النجار (ص ص 143 ـ 152)، والفصل الرابع (ص ص 193 ـ 211) مأخوذ من ترجمة النجار (ص ص 208 ـ 229) مع بعض الحذف.
ولقد كان يوهان فوك يورد بعض أشطار الأبيات ثم يأتي عبد الحليم النجار فيكملها ويضع ذلك بين قوسين. أما الجنابي فهو يعمد إلى نقل البيت كما وجده في ترجمة النجار (أي ينقله بأقواسه، انظر (ص 162) وقارنه بالنجار ص 88).
والخلاصة أن هذا الكتاب لا يستحق الوقوف عنده أطول من هذا، فأكثر من نصفه مأخوذ حرفيًّا من الكتابين المذكورين (أي 136 صفحة من أصل 269 إذا استثنيت اثنتا عشرة صفحة من أول الكتاب وثلاث عشرة صفحة من آخره لاحتواء تلك الصفحات على المقدمة والمراجع وغير ذلك مما هو ليس من صميم الكتاب).
إن النتيجة التي يخرج بها الباحث هي أن هذين المؤلفين لم يعمدا إلى ما عملاه إلا بسبب أخذهما عن أستاذهما الاستخفافَ بالمنهج العلمي روحًا ونصا. فلو حملهما أستاذُهما أثناء إشرافه عليهما على التمسك بالمنهجية لما وقعا هذا الموقع ولو أنهما رأيا فيه مثالا جيدا لتابعاه.
خاتمة:
إن عملية الكشف عن مثل هذه النماذج المؤسفة من الكتاب لا تنتهي؛ ذلك أن الأمر لا يقتصر على قلةٍ قليلة يستطيع المرء بكشفها وضعَ حد لما تعمل. فلقد أضحت مثل هذه الأعمال ظاهرة منتشرة وبلاء مستشريًا يتحدث الناس عنهما فيما بينهم، لكن المجاملة أو عدم المبالاة كثيرًا ما قامتا في سبيل إظهار مثل هذه الأعمال على الملأ، وإن كان بعضها قد وصل إلى العلن عن طريق الصحف في بعض الأحيان. فهذه مجلة "كل العرب"، عدد 120، وتاريخ 19/3/1405هـ تذكر أن فلانًا من الناس قد "سرق" كتاب "الإسلام والشعر" وادعاه لنفسه، وهذا سيد حامد النساج في مجلة الهلال، عدد يناير 1985م، يكتب عن سرقة كتاب معين ويذكر عدة حوادث من هذا النوع فيقول: "فهذا عميد لإحدى الكليات يتهم بنقل كتاب أمريكي، وذاك عميد يشاع أنه نقل مرجعًا أجنبيًّا كاملاً دون أي تعديل فيه. وهذا أستاذ مساعد ينقل عن زميل له وأستاذ شهير من داخل قسمه، وكليته وجامعته وأمام طلابها، وذلك مدرس يطبع فصولاً من كتاب أستاذه في شكل مذكرة وينسبها إلى نفسه.. . ." (ص 166)، كما يكتب حسين مؤنس في مجلة أكتوبر العدد 417، 21 أكتوبر 1984م أنه يعرف ". . . ثلاثة أساتذة على الأقل سرقوا كتبًا لمؤلفين آخرين ونشروها بأسماء أنفسهم وباعوها للطلبة.. . ." (ص 25).
إن خطر هذه الظاهرة يتضاعف بسبب أن من يجترئون عليها هم الذين يدرِّسون في الجامعات ويقومون على الإشراف على طلاب الدراسات العليا فيها. فكيف نريد القضاء عليها وهي تنتشر في أقل الأماكن احتمالاً لوجودها؟
إن الأمل في القضاء على هذه الظاهرة ضئيل إلا إذا حدثت معجزة وهو ما أشك فيه.
المراجع العربية :
1ـ آل ياسين، محمد حسين، الدراسات اللغوية عند العرب إلى نهاية القرن الثالث الهجري. بيروت: مكتبة الحياة، 1400هـ 1980م.
2ـ أنيس، إبراهيم. في اللهجات العربية. القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية (الطبعة الرابعة) 1973م.
3ـ بدري، كمال. علم اللغة المبرمج. الرياض: جامعة الملك سعود، 1402هـ.
4ـ الجنابي، أحمد نصيف. ملامح من تاريخ العربية. بغداد: دار الرشيد، سلسلة دراسات (256) 1981م.
5ـ حسان، تمام. اللغة العربية معناها ومبناها. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1963.
6ـ حسان، تمام. مناهج البحث في اللغة. الدار البيضاء: دار الثقافة، 1979م.
7ـ الحناش، محمد. البنيوية في اللسانيات. الدار البيضاء: دار الرشاد الحديثة 1401هـ / 1980م.
8 ـ حسنين، صلاح الدين صالح، دراسات في علم اللغة الوصفي والتاريخي والمقارن، الرياض، دار العلوم للطباعة والنشر، 1405هـ.
9ـ حسنين، صلاح الدين صالح. المدخل على علم الأصوات: دراسة مقارنة. القاهرة : دار الاتحاد العربي للطباعة ، 1981م.
10ـ خرما ، نايف ، أضواء على الدراسات اللغوية المعاصرة . الكويت : عالم المعرفة، 1979م.
11ـ الراجحي. عبده. النحو العربي والدرس الحديث: بحث في المنهج. بيروت: دار النهضة العربية 1979م.
12ـ سيرل، جون، "تشومسكي والثورة اللغوية"، مجلة الفكر العربي: مجلة الإنماء العربي للعلوم الانسانية، السنة الأولى، العدد 8/9، يناير / مارس 1979م، ص ص 123 ـ 143.
13ـ السيوطي، عبد الرحمن جلال الدين، المزهر في علوم العربية وأنواعها. تحقيق محمد جاد المولى وعلي محمد البجاوي وأبو الفضل إبراهيم. القاهرة: دار إحياء الكتب العربية، د.ت.
14ـ عبد التواب، رمضان. المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي. القاهرة والرياض: مكتبة الخانجي ودار الرفاعي، 1403هـ.
15ـ عبد التواب، رمضان. التطور اللغوي: مظاهره وعلله وقوانينه. القاهرة والرياض: مكتبة الخانجي ودار الرفاعي، د.ت. سنة الإيداع 1981م.
16ـ عبد التواب، رمضان. فصول في فقه اللغة العربية. القاهرة: مكتبة الخانجي (الطبعة الثانية) سنة الإيداع 1980م.
17ـ عبده، داوود، "التقدير وظاهر اللفظ"، الفكر العربي: مجلة الإنماء العربي للعلوم الإنسانية، السنة الأولى العدد 8/9، يناير ـ مارس 1979م، ص ص 6 ـ 16.
18 ـ عبده، داوود، "ترتيب تطبيق القواعد الصوتية في اللغة العربية"، المجلة العربية للدراسات اللغوية، الخرطوم: معهد الخرطوم الدولي لتعليم اللغة العربية (العدد الأول)، 1982م، ص ص 109 ـ 136.
19ـ عمر، أحمد مختار. دراسة الصوت اللغوي. القاهرة: عالم الكتب (الطبعة الأولى) 1396هـ ـ 1976م.
20 ـ فك، يوهان. العربية: دراسات في اللغة واللهجات والأساليب. ترجمة عبد الحليم النجار، القاهرة: الخانجي، 1951م.
المراجع الأجنبية :
(1) Crystal, David (1971). Linguistics. Harmondsworth: Penguin.
(2) Gleason, H.A.(1961). An Introduction to Descriptive Linguistics. London.., :Holt, Rinhart andWinston.
(3) O`Connor, J. D. (1973). Phonetics. Harmondsworth: Penguin.
(4) Palmer, Leonard (1972). Descriptive and Historical Linguistics: A critical Review. London: Faber and Faber.
(5) Robins, R. H. (1971). General Linguistic: An Introductory Survey. London: Longman LTD.
_____________________
*نشرت في جريدة الرياض (العدد 6054، السبت 28/4/1405هـ، ملحق ثقافة اليوم).