ملخّص بحث الترادف والاشتراك مظهران من مظاهر ثراء العربيّة ( دراسةٌ نظريّةٌ تطبيقيّة )
( نشره معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى عام 1430هـ 2009م).
يأتي هذا البحث دراسةً دلاليّةً لأشهر صور الثراء في العربيّة : الثراء في الألفاظ ، والثراء في المعاني ، وأعني بالأول أن يدلّ أكثر من لفظٍ على معنىً واحد ، وهو ما اصطلح عليه اللغويّون بـ ( الترادف ) ، والثاني أن يدلّ لفظٌ واحدٌ على أكثر من معنى ، وهو ما اصطلح عليه اللغويّون بـ ( الاشتراك ) ، ويدخل تحته ما إذا كان المعنيان متضادّين ، وهو ما أسموه بـ ( التضادّ ) ، على أنّ هذين المظهرين دار خلافٌ متكرّرٌ عبر العصور حول وقوعهما في اللغة ، فمع أنّ أكثر العلماء قالوا بوقوعهما في اللغة ، وألّفوا فيهما ، لكنّ بعض العلماء نفوا أحدهما أو كليهما ، وذهبوا إلى تفسير ما ورد في اللغة على مذهبهم في الإنكار .
ولأنّ هذين الموضوعين – الترادف والاشتراك – جديران بالوقوف عندهما ؛ لما لهما من صلةٍ بعددٍ كثيرٍ من ألفاظ اللغة ، آثرت أن يكون هذا البحث عنهما ، فمع كثرة البحوث والكتب التي كُتبت حولهما لكنّي وجدتُ من الدوافع ما دفعني إلى كتابة هذا البحث ، ويمكنني تلخيص أهمّ تلك الدوافع فيما يلي :
• الخلاف الذي دار حولهما اشتمل على جوانب ما زالت تحتاج إلى مزيد بحثٍ ، لورود أقوالٍ لبعض العلماء في إنكار أحد الموضوعين ، وورود أقوال أخرى – اطّلعت عليها - لم تشتهر عنهم تُثبت القول بوقوعهما في اللغة ، ولذا رأيت الحاجة قائمةً لمناقشة تلك الأقوال ، والوصول إلى التفسير الأقرب لمراد أولئك العلماء .
• الحاجة إلى إقامة دراسة إحصائيّة على نماذج مختارة من نصوص اللغة ، للكشف عن وجود هاتين الظاهرتين – الترادف والاشتراك – مع محاولة معرفة أيّتهما أكثر وجوداً في اللغة ؛ لنستطيع القول بعد ذلك : إنّ العربيّة أكثر ثراءً في جانب الألفاظ ، أو في جانب المعاني ، ومع يقيني أنّ الحكم العامّ في تغليب أحد جانبي الثراء على الآخر غير دقيق ؛ لتفاوت اللغة في هذا الأمر ، ففي بعض موضوعات اللغة نجد ظاهرة الترادف أكثر من الاشتراك ، وفي بعضها نجد العكس ، لكنّ التطبيق على نماذج لغويّة يعطي صورةً عن مدى انتشار الظاهرتين في النصوص اللغويّة .
• طرح مسألة ( الترادف والاشتراك في القرآن الكريم ) للبحث ، فكما وقع الخلاف في وقوع الظاهرتين في اللغة ، فإنّ الخلاف في وقوعهما في القرآن من باب أولى ؛ ذلك لما للقرآن من القدسيّة التي تجعل العلماء شديدي الحذر عند الحديث عن ألفاظه .
ومع الخلاف في ذلك لكنّي أوردت شواهد كثيرة من القرآن الكريم تحت الظاهرتين ، عرضت فيها الألفاظ التي تُعدّ في رأي قومٍ من الترادف أو الاشتراك ، في حين خرّجها آخرون على غير ذلك .
• من اطّلاعي على أقوال العلماء ، وما يظهر بينها من اختلاف ، وما قد يبدو بين أقوال العالم الواحد من تناقض ، أيقنتُ بوجود فرقٍ بين الأقوال وواقع اللغة ، ولذا رأيت الحاجة إلى الاستعانة ببعض النصوص في إثبات رأيٍ أو نفيه ، ومن ذلك ما تبيّن لي من أنّ العرب لا يفرّقون في كلامهم بين ( جلسَ ) و ( قعدَ ) – كما ذهب إليه ابن فارس وغيره – بإيراد عددٍ من النصوص التي تثبت ذلك .
لهذه الدوافع وغيرها رأيت أنّ موضوع ثراء اللغة في وجهيها اللفظيّ والمعنويّ جديرٌ بدراسةٍ تُبرزه ، متّخذاً من موضوعين كثر الحديث عنهما – الترادف والاشتراك – وسيلةً لإبراز هذا الجانب المشرق من اللغة .
منهج البحث :
جعلت البحث قسمين :
الأول : ( الترادف : مظهرٌ من مظاهر ثراء الألفاظ ) ، فصّلت الحديث فيه عن قضايا الترادف المتعدّدة ، وما فيه من خلاف ، وما تبيّن لي فيه من رأي راجح ، مع الدراسات الإحصائيّة لنماذج من معجمين : معجمٍ للألفاظ ، ومعجمٍ للمعاني ، وما تبيّن لي من نسبة الترادف في تلك النماذج ، وكذا إيراد مسردٍ لآياتٍ كريمةٍ اشتملت على ألفاظ مترادفة في القرآن الكريم .
الثاني : ( الاشتراك : مظهرٌ من مظاهر ثراء المعاني ) ، فصّلت الحديث فيه عن الاشتراك ، والخلاف حوله ، والراجح فيه ، وأسباب وقوعه ، وأتبعته بالتضادّ ؛ لأنّه نوع من الاشتراك ، ثمّ قدّمت دراسةً إحصائيّةً لنماذج من معجمٍ من معاجم الألفاظ ، هي النماذج نفسها التي استخرجت منها الألفاظ المترادفة ، فاستخرجت منها الألفاظ المشتركة ، ثمّ وازنت بين نسبتي وجود الترادف والاشتراك في تلك النماذج ، وبعدها قدّمت مسرداً لعددٍ كبيرٍ من الآيات القرآنيّة مشتملةً على ألفاظ مشتركة .
وفي نهاية الكتاب جاءت الخاتمة مشتملةً على النتائج التي ظهرت لي في هذا الموضوع .
[أرجو الاطلاع على مؤسس الموقع ]