رئيس جمعية الدفاع عن اللغة العربية يستنجد بالشيخ زايد والقذافي لمنع فرض الأمازيغية لغة رسمية في الجزائر من دون استثناء
الجزائر: خضير بوقايلة
طلب رئيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية الدكتور عثمان سعدي من رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ زايد بن سلطان ومن الزعيم الليبي معمر القذافي التدخل لدى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة من أجل حمله على التراجع عن قراره الأخير بترقية الأمازيغية إلى لغة وطنية في الجزائر وإدراجها في التعديل الدستوري المقبل من دون استفتاء رأي الشعب في المسألة. ويتهم الدكتور سعدي، في حوار مع «الشرق الأوسط»، الرئيس بوتفليقة بخضوعه لإرادة اللوبي الفرنكفوني في البلاد، ووصف قراره بجعل الأمازيغية لغة وطنية بأنه تحدّ لإرادة الشعب الجزائري. وقال سعدي، « لا يملك أي رئيس دولة تغيير هوية شعب إلا بالعودة للشعب، فهوية الجزائر منذ أربعة عشر قرنا هي العروبة. وعام 1962 اعتمدت اللغة العربية كلغة وطنية ورسمية باستفتاء، من خلال الاستفتاء على الدستور الذي تنص مادته الثالثة على وطنية ورسمية العربية. ومن الغريب أن الرئيس بوتفليقة يقول: «بأنه يخشى من رفض الشعب لوطنية الأمازيغية، ولهذا قرر تجنب الاستفتاء وإصدار مرسوم. ومعنى هذا الكلام أن الرئيس مقتنع بأن الشعب لا يرضى بغير اللغة العربية وطنية، وبالرغم من ذلك فإنه مصر على تحدي إرادة الشعب بإصدار قرار لا يرضى عنه، بالرغم من أنه وعد الشعب في حملته الانتخابية بأن لا يفعل شيئا ضد إرادته».
* هل تعتقدون أن أنصار الحركة البربرية انتصروا في انتزاع الاعتراف الرسمي بالأمازيغية، وهل تتوقعون أن ينهي ذلك الصراع التاريخي حول المسألة ويخفف عداء بعض الأطراف للغة العربية؟
ـ لا يوجد نضال من أجل البربرية، وإنما توجد عمالة للاستعمار الفرنسي الجديد. الفرنسيون أسسوا عام 1967 الأكاديمية البربرية بباريس لشق وحدة الشعب الجزائري إلى شعبين: شعب يتكلم العربية وآخر يتكلم البربرية، من أجل هدف واحد وهو أن تكون الفرنسية لغة مشتركة بين الشعبين، وتؤبد بذلك هيمنة اللغة الفرنسية على الدولة الجزائرية.
أما الأمازيغية، فهي لغة عربية عاربة، ما زال يتحدث بها في اليمن وسلطنة عمان، وأنا متخصص في الأمازيغية ولي كتاب عنوانه «الأمازيغ عرب عاربة» طبع في الجزائر وليبيا. وتكاد لا توجد كلمة بهذه اللغة، ليس لها وجود في قاموس اللغة العربية، والذي يؤكد عروبتها. إنها لغة الضاد كالعربية، فالأمازيغ يفرقون في النطق بين الضاد والظاء. قبل الفتح الإسلامي كانت لغة الثقافة والدواوين والعبادة والحضر هي اللغة البونيقية أي القرطاجية وهي عربية قديمة، وكانت الأمازيغية لغة البادية والريف شفوية. ويقول المتخصص الفرنسي الأول في البربرية رونيه باسيه: «إن اللغة البونيقية استمرت مسيطرة على الثقافة بالمغرب العربي قبل الإسلام مدة تسعة عشر قرنا، وعندما جاءت لغة القرآن حدث الربط بينهما كلغتين تنتسبان لأصل واحد. وأردف «وعندما جاء القرآن الكريم بلغة قريش التي هي لغة عربية مستعربة، اكتشف الأمازيغ أن العرب القادمين ليسوا كالرومان فهم يشبهونهم في كل شيء، ولغتهم قريبة من لغتهم، هذا بالإضافة إلى رسالتهم العادلة، فاندمجوا فيهم، ولم يمر نصف قرن حتى صاروا عربا لغة ودينا وثقافة. والذي يؤكد عروبة الأمازيغ هو أن الأمتين الفارسية والتركية تقعان على أطراف مهد العروبة، أي الجزيرة العربية، وحكمتا بالخلافتين الأموية والعباسية ستة قرون، لكن بمجرد أن انتهت الدولة المركزية العربية عاد الفرس فرسا بلغتهم والأتراك أتراكا بلغتهم. أما البربر فانفصلوا عن الدولة المركزية مباشرة بعد وفاة عمر بن عبد العزيز، ومنذ ذلك التاريخ وحتى مجيء العثمانيين بالقرن الخامس عشر الميلادي حكموا أنفسهم بأنفسهم من خلال ثلاث عشرة أسرة بربرية، واستمروا عربا بلغتهم، وقاموا بنشر العربية، ولم يحدث أن طالب أمير من هذه الأسر بالتخلي عن العربية وترسيم البربرية. بل إن ابن معطي الزواوي البربري من منطقة القبائل هو أول من جمع النحو في ألف بيت بالقرن الثاني عشر الميلادي، وسبق ابن مالك بألفيته بقرن. وابن آجروم البربري من المغرب الأقصى هو صاحب كتاب الآجرومية النحوي الذي ألفه بالقرن الرابع عشر الميلادي والذي لا زال يدرس حتى الآن بالمدارس الدينية إن ترسيم الأمازيغية لا يعني الأمازيغ الأحرار الذين يؤمنون بوحدانية اللغة أي بالعربية، ويمارسون لهجاتهم دون عقدة. الأمازيغ موزعون على ثلاث عشرة فئة ويمثلون عشرين في المائة وفقا لإحصائية الإدارة الفرنسية بالخمسينيات. وللعلم فان الفئات الاثنتي عشرة تؤمن بوحدانية اللغة العربية، وترفض أن تكون لها ضرة. والفئة الوحيدة التي استطاع الاستعمار الفرنسي تشويهها ومسخها هي فئة القبائل التي تمثل ستة في المائة فقط من الشعب الجزائري، وذلك بنشر الفرنسية والمسيحية بين أبنائها. والمؤرخ الفرنسي آجرون يذكر أن إحصائية عام 1903 تبين أن انتشار المدارس الفرنسية بولايتي تيزي وزو وبجاية وحدهما يمثل 34 في المائة من المدارس المنتشرة في القطر الجزائري كله، أي أن ثلث التعليم الفرنسي كان محصورا في ولايتين من ثمان وأربعين ولاية. وصدور مثل هذا الاعتراف لا يقلل من عداء القبائليين للغة العربية، ففي ولايتي منطقتي القبائل مسح الحرف العربي من شوارعهما ومحلاتهما ومحيطهما العام ولم يترك سوى الحرف الفرنسي. إذن، هم وأسيادهم بفرنسا يرون في هذا الاعتراف مرحلة تليها مرحلة أخرى يطالبون فيها بإلغاء العربية من الوجود الجزائري. فقد صرح أحد زعماء النزعة البربرية القبائلية وهو السيد مصطفى معزوزي الناطق باسم تنسيقية ولاية تيزي وزو، تعقيبا على خطاب الرئيس بوتفليقة قائلا بصراحة: «إن الجزائر ليست بلدا عربيا بل إنها بلد أمازيغي». ومعنى هذا الكلام أن هدفهم هو إلغاء العربية، وهدف منظمة الفرنكفونية إلغاء المغرب العربي وإبداله بالمغرب البربري أي الأمازيغي.
* كيف يمكن، في نظركم، جمع اللهجات الأمازيغية في لغة واحدة تكون رسمية؟ ـ يستحيل خلق لغة أمازيغية من لهجات، فهذا يتناقض مع أبسط القواعد اللغوية، ويعترف بذلك حتى علماء اللغة الفرنسيون. لقد سخّـرت الدولة الفرنسية بسائر أجهزتها ورصدت لذلك أموالا طائلة للأكاديمية البربرية بباريس منذ عام 1967من أجل خلق هذه اللغة من اللهجة القبائلية، وقامت بأحقر عمل وهو تطهير القبائلية من الكلمات التي فيها رائحة الإسلام. فلا توجد لغة أمازيغية أمّ. توجد لهجات قدرها المتخصص الفرنسي رونيه باسيه بخمسة آلاف لهجة ويقول: «إن إطلاق صفة للهجات على البربرية خطأ، لأن اللهجات لا تكون إلا حول لغة أمّ، وبما أنه لا توجد لغة بربرية أمّ، فإن المصطلح الذي ينبغي أن يطلق عليها هو الواقع اللهجوي». واستعمال الأكاديمية البربرية بباريس للحرف الفرنسي، تشويه للقبائلية. ولذا، لمن السخرية والعار أن تقوم الدولة الجزائرية في عهد الرئيس بوتفليقة بخلق لغة من آلاف اللهجات واستعمالها كضرة للغة البلاد، لتدخل لغة الضاد في صراع معها ويعطى فيه التحكيم للغة الفرنسية، تحت ظل سيطرة اللوبي الفرنكفوني على الدولة الجزائرية. وهذا، خيانة لدماء مليون ونصف مليون شهيد ضحوا بأرواحهم في سبيل القرآن ولغة القرآن.
* لماذا يرفض أنصار التعريب مسألة ترقية الأمازيغية إلى لغة، رغم الأصول الأمازيغية للجزائر؟ أنصار التعريب في الجزائر هم الوطنيون الحقيقيون، وأعداء التعريب والعربية عملاء. فالأستاذ عبد السلام بلعيد القبائلي المتكون باللغة الفرنسية، سئل عن رأيه في اعتماد الأمازيغية كلغة وطنية، فأجاب: «أرفض ذلك لأنني أؤمن بالأمة الجزائرية الواحدة، والأمة الواحدة هي ذات لغة واحدة، وإذا تعددت اللغات تعددت الأمم». نحن الوطنيون أنصار التعريب لا ننكر أصولنا الأمازيغية أي العربية العاربة.
ومن الغريب أن الرئيس بوتفليقة، الذي قضى «عشرينية التيه» في استضافة الشيخ زايد العربي الأصيل كمستشار له سياسي، وعرف في الأوساط الثقافية والسياسة بدولة الإمارات كعربي مؤمن بالعروبة، عندما استلم الحكم بالجزائر فوجئ الجزائريون بأنه صار أسيرا للوبي الفرنكفوني. فحتى المكاسب التي حققتها اللغة العربية قبله بدأت تتراجع منذ ابريل (نيسان )عام .1999 فقانون التعريب جمد في عهده بصمت وبدون مرسوم. فمثلا إن سكان مدينة نادي الصنوبر التي يقيم فيها سائر مسؤولي الدولة من رئيس الحكومة والوزراء والموظفين السامين والضباط السامين وزعماء أحزاب الائتلاف، صارت آلاف البطاقات التي تمنح للمقيمين بها ولذويهم تكتب بالفرنسية فقط بعد أن كانت تكتب بالعربية والفرنسية. ولا أدري هل أن الرئيس على دراية بذلك أم لا؟. إن صدور مرسوم وطنية الأمازيغية سيأتي بعد أعمال التصفية لمكاسب العربية التي شرع فيها خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وسيكون بمثابة دفن اللغة العربية، والعودة بالوضع اللغوي إلى العهد الاستعماري، أي إلى ما قبل .1954 لقد بدأ الرئيس بوتفليقة ولايته الرئاسية بالوئام الوطني، هل سيختمها بالتدمير الوطني؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام. لا بد أن يدرك أن القرار الذي يزمع اتخاذه بجعل ما يسمى بالأمازيغية وطنية، سيدمر الجزائر، بل وستكون له انعكاسات مغاربية وعربية تدميرية. لقد اكتشف أعداء الأمة العربية أن تطبيق خطتهم لبلقنة الأقطار العربية قطرا قطراً لا يمكن أن تتحقق إلا إذا قضي على الرابط القوي الذي يربط بين العرب والمتمثل في لغة الضاد. وصدور مرسوم توطين الأمازيغية بالجزائر. سوف يلزم الملك محمد السادس إلى أن يصدر مرسوما ملكيا مشابها، والمسألة البربرية بالمغرب الشقيق أخطر منها بالجزائر لأن الناطقين بالبربرية هناك يمثلون الأغلبية من السكان. وسيجبر موريتانيا وليبيا بل ومصر التي توجد بها واحة سيوة التي يعتبر سكانها ناطقين بالأمازيغية. وهذا سيلزم مصر إلى توطين النوبية والقبطية والسودان إلى توطين لغة الجنوب، واليمن بتوطين السوماطرية وغيرها من اللهجات الأخرى. وستتحقق خطة أعداء الأمة العربية في بلقنة الأقطار العربية. إن الذين يطالبون بترسيم البربرية ووطنيتها يمثلون أقلية حتى بين القبائل، وإذا أراد القبائل تعلم لهجتهم فليتعلموها، لكن أن يفرضوها على 94 في المائة من الشعب الجزائري فهذا عدوان ما بعده عدوان. إننا نحن أنصار لغة الضاد بالجزائر نهيب بالشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أن يعمل على إقناع الرئيس بوتفليقة الذي يكن له تقديرا عاليا، بألا يصدر مرسومه بوطنية ما يسمى بالأمازيغية، وأن يجنب الجزائريين والمغاربة والعرب كارثة محققة. كما نهيب بالقائد معمر القذافي أن يتدخل أيضاً.
-------------------
جريدة الشرق الأوسط - الأربعاء 07 محـرم 1423 هـ 20 مارس 2002 العدد 8513