مختارات من ( مقابلة مع برهان بخاري )
الباحث والكاتب الصحفي برهان بخاري :
نعاني من مسألتين : عدم الدقة في المصطلح ، وتفريغه من مضامينه ، فليس عندنا تعاريف للديمقراطية والحداثة والعولمة والثقافة .
حاوره : وائل يوسف
رغم أن شهرته الحقيقية ابتدأت مع أول مقال له في صحيفة تشرين الدمشقية بتاريخ 15/10/95 إلا أن تاريخه العلمي يجعل المرء حائراً من أين يبدأ مع إنسان موسوعي حتى أن من يعرف إنجازاته العلمية يتساءل : كيف له أن يبرز في مجالات متعددة ، وهو الذي قال له الصحفي البريطاني المعروف باتريك سيل :" مكانك هنا في التوثيق وليس في التنظير، أنا مع عملك التوثيقي ولست مع عملك الإعلامي" .
مارس برهان بخاري كتابة المقال والنقد الأدبي والقصة القصيرة والشعر والمسرح ، وكتب للصحف والمجلات والإذاعة والتلفزيون والسينما والمسرح .
وفي مجال التعليم ابتكر عدداً من الوسائل التعليمية لطلاب المدارس ، ثم قام بتنفيذ مشروعه الخاص بمحو الأميّة للكبار ، وأعدّ بعد ذلك مناهج لتعليم اللغة العربية للأجانب وتعليم اللغات الأجنبية للعرب .
ومن ثم وضع الأسس العلمية لأول معجم أوزبكي – عربي ، وعربي – أوزبكي ، وفي عام 1983 أسهم في جامعة الكويت التي استضافته كأستاذ زائر بتطوير بحث حول الصوتيات العربية بما يعرف بالكلام المركب صناعياً وبالكمبيوتر ، ثم صمّم جهاز كمبيوتر قادراً على تنضيد جميع أبجديات العالم والتعامل معها ، قامت بتنفيذه شركة مونوتايب البريطانية حيث عرف عالمياً بلوحة مفاتيح بخاري .
ثم وضع أسس نظريته الخاصة في الترجمة الآلية والتي عُرفت فيما بعد بنظرية السوبرلنغوا ، وفي عام 1986 عاد إلى دمشق واعتكف لإنجاز مشروعه الضخم الهادف لإعادة بناء التراث العربي والإسلامي على الكمبيوتر ، والذي يتألف بشكل أساسي من عشر موسوعات أهمها موسوعة الحديث النبوي الشريف والتي يربو عدد أجزائها على مائة جزء .
س- هل يعود الفضل في طرحك لمفهوم جدلية العروبة والإسلام إلى أصولك الأوزبكية؟
جـ - أنا لا أنكر ذلك فهو أمر بديهي ، لكن القضية لا تنبع من كوني أوزبكيا ، إن كوني أوزبكياً أعطاني المزيد من العمق لاكتشاف جدلية العروبة والإسلام .
ما قلته في هذه المسألة أن البنية الأساسية للدين الإسلامي هي بنية عربية لأن القرآن والسنة لغتهما عربية وإليهما يعود المسلمون مهما اختلفوا في المرجعيات ، ولكن وبما أن الإسلام دين أمميّ ليس فيه فروق بين الناس حيث يقول تعالى :" وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم " فقد حدثت عملية تلاقح أشبّهها بما يلي : وعاءٌ هو العروبة ، وموادّ داخل الوعاء هي حضارات الشعوب ، ونار هادئة تطبخ بها هذه المواد ألا وهي الإسلام ، وأعتقد أننا بفهمٍ كهذا نستطيع التخلص من مشكلات العصبية القبلية أو الشعوبية وتبيان خطأ من أسموا الحضارة العربية الإسلامية بالحضارة العربية أو بالحضارة الإسلامية ، وبناءً عليه : ماذا يعني ألا يكون الفارابي والخوارزمي وابن سينا عرباً ؟ ومن خلال تجربتي الشخصية أجد أنني كرجل أوزبكي الأصل أباً وأماً ، أكتب بالعربية في حين لا أتحدث الأوزبكية ، ويخطر ببالي لو أن هذا الشخص المسمى برهان البخاري وُجد بنفس الفكر وكميّة الإبداع ولكن باللغة الأوزبكية هل كنتُ سأحقّق ما حققته في كتابتي باللغة العربية ؟ ، الجواب : لا ، لأنه بغضّ النظر عن كون الأوزبكية لغةً محليةً فهي صعبة الترجمة ، بينما أعرف أن مقالاتي المنشورة باللغة العربية تختصر وتترجم إلى الإنجليزية والفرنسية وذلك لأن اللغة العربية لغة حضارة .
س- ولكن ألا ترى أن معايير الانتماء إلى العروبة مزاجية جداً ، فابن سينا عربي لأن ثقافته عربية بينما جراح القلب مجدي يعقوب أو الحائز على جائزة نوبل أحمد زويل عربيان لأن أصولهما عربية رغم أن بيئتهما العلمية غربية ؟
جـ - ناقشت هذا الموضوع في مقال ( ازدواجية الانتماء ووحدة الولاء ) وقلت فيه : إنه يمكن أن يكون الشخص ازدواجي الانتماء ، ولكن يجب أن يتمتع بوحدة الولاء ، فأنا كبخاري يمكن أن أمارس عادات أوزبكية معينة أو أن أطبخ رزاً بخارياً وذلك يُفهم من باب التطعيم الثقافي ، لكن ولائي الوحيد للعرب ، حتى إني افترضت في هذا المقال أنه في حال قيام حرب بين العرب والأوزبك فسأقف إلى جانب العرب دون تردد ، كما نبهت أيضاً لعدم استبعاد وجود عرب يحاربوننا مثل بعض الأمريكيين ذوي الأصول العربية ، وقلت : إنه في الوقت الذي ننادي فيه بواجب برهان بخاري بالحرب مع العرب ضدّ الأوزبك فمن الواجب تقبل حقيقة تجنيد بعض ذوي الأصول العربية في الجيش الأمريكي ، وسبق أن حدث في التاريخ شيء خطير من هذا القبيل ، إذ وُضِعَ الأمريكيون من أصول يابانية في معسكرات اعتقال عند اندلاع الحرب العالمية الثانية ، وبعد مدّة اكتشف الأمريكيون خطأهم فسمحوا منذ سنة 1944 لذوي الأصول اليابانية بالمشاركة في العمليات القتالية ، لا سيّما تلك المعارك العنيفة بعد إنزال النورماندي حيث كان الألمان يفاجئون عند أسر الجنود الأمريكيين يابانيي الأصل الذين يقولون وبلا مواربة :" نحن أمريكيون " .
وأعتقد أن الصيغة التي طرحتها لمفهوم جدلية العروبة والإسلام تقضي على إشكاليات كثيرة حيث تعطي للمسيحيين العرب دورا في الحضارة العربية الإسلامية التي تضم 3 عناصر : عربي مسلم ، مسلم غير عربي ، عربي مسيحي ، وأذكر في إحدى محاضراتي التي سبقت زيارة بابا الفاتيكان لدمشق أن المطران ايزودور بطيخة قال على الملأ : " إنني أتشرف بانتمائي للحضارة العربية الإسلامية " وما ذلك إلا لأنه وجد مكاناً له فيها .
--------------
يمكنك الاطلاع على المقابلة كاملة بما فيها من جوانب سياسية تركتها لعدم تعلّقها باتجاه الموقع :
مجلة أفق الثقافية :
http://www.ofouq.com/today/modules.php?name=News&file=article&sid=739