حوار مع الدكتور عبد الكريم الأشتر حول كتاب:(في ديوان العرب -أحاديث في الشعر والشعراء من عصر الجاهلية إلى العصر الحديث) ـــ حوار: أحمد فوزي الهيب
الأستاذ الدكتور عبد الكريم الأشتر علم من أعلام الفكر والثقافة والأدب والنقد في القطر العربي السوري والعالم العربي، تخرج على يديه في جامعات دمشق وحلب والجزائر والإمارات، وعلى كتبه الكثيرة، التي لما يزل يتحف بها المكتبة العربية، عدد وافر من النقاد والأدباء، يشار إليهم الآن بالبنان، لما تركوه من آثار طيبة في الساحة الأدبية.
يحاوره الدكتور أحمد فوزي الهيب الذي تتلمذ على كتب الدكتور الأشتر، وأفاد منها ومنه شخصياً إفادات جمة. وقد درّس الدكتور الهيب في عدد من الجامعات العربية، وله بضعة عشرة كتاباً محققاً ومؤلفاً، وعدد وافر من الأبحاث المنشورة في المجلات المحكمة والملقاة في المؤتمرات العلمية بسورية وغيرها من الدول العربية.
س- كتب كثيرة أرَّخت للشعر العربي منذ الجاهلية إلى العصر الحديث، مثل كتب شوقي ضيف والرافعي والزيات وعمر فروخ وغيرها. فبمَ يتميز كتابكم" في ديوان العرب، أحاديث في الشعر والشعراء من عصر الجاهلية إلى "العصر الحديث" بأجزائه الثلاثة عنها؟... وبِمَ تميزت دراسة الشعراء فيه عن غيره؟...
ج-لم يلتزم الكتاب التأريخ للحركة الشعرية العربية منذ الجاهلية إلى العصر الحديث، ولكنه سعى إلى الوقوف على رموزها الكبيرة في مراحلها التاريخية التي حددتها الأحداث الفاصلة في تاريخنا، ماقبل الإسلام وما بعده إلى أيامنا هذه، في محاولة الجمع بين ماهو جمالي في نتاجها وما هو تاريخي، من خلال النصوص التي تركت صداها في تاريخ هذه الحركة الممتدة عبر عصوره المختلفة. وبكلمة أخرى: سعى الكتاب إلى قراءة هذه الحركة قراءة نقدية جمالية (عبر الوقوف في هذه النصوص المختارة على رموزها الكبيرة) ضمن حقائقها التاريخية. فلهذا كانت عناية الكتاب بالنصوص وشروحها، كما جاء في مقدمة الكتاب، عناية فائقة، لأن "استخلاص خصائص النص الفنية والأسلوبية، وبناء الأحكام عليها ضمن حقائقها التاريخية، يعتمد على وضوح الشروح، وهذا بدوره، هو الوسيلة لاحتفاظ هذه الأحاديث بحيويتها وتعزيز دور المتعة الفنية فيها".
ولهذا بالضبط، كما ترى، لا يحمل الكتاب اسم "التأليف"، ويحمل اسم "التحديث" إذ هو يحدّث من يقرؤه حديثاً يجمع بين الفائدة والمتعة، ويدنيه من تتبع خصائص المراحل التي قطعتها الحركة الشعرية العربية، عبر عصورها المختلفة، عن طريق الوقوف على جماليات المختار من نتاجها المتفرد.
ولهذا أيضاً –كما جاء في المقدمة-لم يقف الكتاب عند منهج نقدي محدد، بل: "أفاد من جملة المناهج النقدية في قراءة النص الشعري وفهمه وتقويم طاقاته التعبيرية وسماته الأسلوبية"، وإن كانت الغلبة فيه للمنهج التأثري المسوّغ بالمعرفة الموضوعية، لطواعية هذا المنهج وقربه من روح الحديث، وتأثيره المباشر فيه.
وقد كان يشغل الكتاب هَمّ واضح الأثر فيه: أن يستدعي القارئ إليه بما يتوافر له من جانب المتعة إلى جانب المعرفة، في وقت واحد. ألا ترى أن الناس من حولنا ينهضون إلى القراءة في تثاقل وضجر؟..
س- لأية شريح من شرائح المجتمع الثقافية كتبتم هذا الكتاب؟
ج-للمختص والقارئ العام في وقت واحد. المختص يجد فيه مادة اختصاصه برؤية جديدة. والقارئ العام يحيط بالحركة الشعرية العربية، بخصائصها وتحولاتها وجماليات نتاجها عبر العصور، دون أن يثقل الكتاب عليه بالتفصيلات الصغيرة، مستمتعاً، في الوقت نفسه، برؤى الشعراء العرب الجمالية ومسالكهم الفنية في التعبير عنها. وأحسب أن طلابنا على وجه الخصوص، يجدون فيه بغيتهم من الوجهين معاً.
س- ما الشروط التي اخترتم على أساسها الشعراء في العصور المختلفة؟..
ج-قوة أثرهم في الحركة الشعرية، لتميز رؤاهم ووضوح خصائصهم الأسلوبية في التعبير عنها. وقد عُدّوا، بالمناسبة، عند نقادنا القدامى والمحدثين من الرموز الكبيرة لهذه الحركة، عبر عصورها المختلفة، لتجسيدهم أهم صفاتها الفنية في نتاجهم، تقدماً أو تراجعاً في الحالين.
س - شاعر كبير من شعراء العصر المملوكي، لما تزل لاميته محفوظة، يرويها الناس حتى اليوم، هو ابن الوردي، لم أغفلتموه مع أنه يمثل عصره خير تمثيل؟..
ج-هذا صحيح. وصحيح أيضاً أن الناس يذكرون لامية العرب لمعارضتها لامية العجم. والذين اختارهم الكتاب، من شعراء العصر، مقدّمون على ابن الوردي. واحد منهم فقط اخترناه، وهو ابن مليك الحموي، لأنه يمثل شعراء السوق، وكان يمكن أن نضع ابن الوردي إلى جانبه. على أن من اختارهم الكتاب يمثلون؛ في رأيي، خصائص الحركة الشعرية في عصرهم المضطرب. وهذه الكلمة يمكن أن تقال في بعض الشعراء في عصرهم المضطرب. وهذه الكلمة يمكن أن تقال في بعض الشعراء في كل عصر. وينبغي ألا ننسى أن الكتاب لا يؤرخ للحركة الشعرية، كما قلنا، ولكنه ينفرد بالاختيار ويجمع الدرس النقدي إلى الدرس التاريخي معاً.
س- كم عدد الشعراء الذين درستموهم في كل عصر؟ وهل يتناسب عددهم مع أهمية العصر، وامتداده الزمني؟...
ج-لكل عصر أهميته في عمر الحركة، إذ الزمن لا ينقطع. ولكن الحركة الشعرية، في تجليها عبر العصور، يمكن أن تتقدم أو تتراجع من حيث استيفاء الشعر فيها لخصائص "الشعرية" في تعبيره عن حقائق العصر العامة في الداخل والخارج. أعني: التفاعل الذي يتمّ بين الشاعر وحقائق الحياة من حوله، من أقطارهم جميعاً.
وعلى هذا فعدد الشعراء المختارين في كل عصر يختلف عن عددهم في العصور الأخرى، من حيث تمثيلهم للعصر، أعني تفاعلهم مع حقائقه العامة كما قلت، وإن اختلف الامتداد الزمني بينها، وعلى هذا يمثل الشاعر في كل عصر مشاعر الناس العامة فيه، فالحقيقة واحدة كما ترى، وإلا ما سار ذكره فيهم وحفظت الحركة الشعرية مكانه.
س- ما علاقة كل من السياسة والحضارة بالشعر؟.. وأي العلاقتين أ قوى؟..
ج-الواقع الثقافي (ضمن الواقع الحضاري) هو الأقوى. وللسياسة أثرها في الواقع الثقافي. ومن ثم فالسياسة تفعل في الشعر ضمن الواقع الثقافي في البيئة المحيطة بالشاعر، ضمن عصره الذي عاش فيه، بمكتسباته الثقافية العامة. وعلى هذا الأساس تم رسم الخط البياني في حركة الشعر في الكتاب، حسب خطوط الخريطة الثقافية لعصور التاريخ العربي من الجاهلية إلى العصر الحديث.
س- لماذا خصّصتم لبعض الشعراء حديثاً واحداً، ولبعضهم الآخر أكثر من حديث؟...
ج-يتفاوت الشعراء فيما خلفوه من أثر في حركة الشعر العربي، فبعضهم لم يستوف أثرَهم فيها حديث واحد، وبعضهم تعدّى هذا إلى أكثر من حديثين. المعري، مثلاً، شغل خمسة أحاديث، والمتنبي ستة أحاديث. على أن الكتاب حرص على تماسك الحلقات (أعني الأحاديث) فجعلها في سلسلة واحدة، حتى تظل الأحكام شاملة فيها.
س- أليس من الظلم أن نرى كثيراً من مؤرخي الأدب يضعون الشعر في العصر المملوكي والشعر في العصر العثماني في صعيد واحد، ويطلقون عليهم أحكاماً واحدة مع أن البون شاسع بين السلطنة المملوكية والسلطنة العثمانية؟...
ج-هذا صحيح في الجملة، وإن كانت الرؤية الشعرية فيهما متقاربة، وقد حاول الكتاب في جزأيه الثاني والثالث، أن يخفف من هذا، ويبين أسبابه، في الكلام على خصائص العصرين العامة، إذ كانت العربية، بالرغم من انتساب الحكام إلى أصول غير عربية، اللغة الرسمية في العصر المملوكي، وبالعربية دوّنت فيه الموسوعات الكبيرة، وكتب التراجم والسير، وكتب التاريخ الشاملة.
وأعتقد أن بعض من ألفوا في تاريخ الأدب العربي، في عصرنا، هم السبب في هذا الحَيْف، إذ سمّوهما معاً (عصر الانحطاط) الذي انتهى بعصر النهضة الحديثة.
س- أفدتمونا أن الجزء الثالث يختص بشعر شعراء العصر الحديث الذي شهد جدلاً واسعاً حول قضايا عدة، لعل أهمها، مما يتصل بالشعر، مايسمى بقصيدة النثر، فما رأيكم فيها؟...
ج-يبدو أنها بدأت تتماسك وتتماثل على أيدي موهوبين من أمثال الماغوط وغيره، ثم أخذ يركب موجتها كل العجزة عن كتابة الشعر واستيفاء حاجاته وخصائصه، القاصرة طاقاتُهم عن الرؤية الشعرية الحقيقية. على أن الجزء الثالث من الكتاب وقف عند حدود ما استوفته حركة شعر التفعيلة عند بعض شعرائها الكبار الذين تناولهم، في انتظار أن تكتمل لحركة قصيدة النثر عوالمها التي تقرّبها من أذواق الناس.
س- صدر الجزء الأول من كتابكم، وتضمن شعراء العصر الجاهلي والإسلامي والأموي عام 2004، وصدر الجزء الثاني، وتضمن شعراء العصرين العباسي والمملوكي عام 2005، فمتى تتوقعون صدور الجزء الثالث (الأخير)؟.. ثم ألم يكن من الأفضل أن تصدر الأجزاء الثلاثة كلها معاً، أو في أوقات متقاربة؟...
ج- نعم: كان هذا هو الأولى والأفضل، وكان قدَّم هذا الإنجاز في صورته المكتملة. وكانت الدار التي نشرته قد وعدت بهذا، ووعدت بأن تُصدر الأجزاء كلها في مجلد واحد، وفي وقت واحد، حتى إنها بادرت، في كلمتها التي صدّرت بها الكتاب، إلى القول: إنها "تشكر لصاحب الكتاب ثقته بالدار وتقديمه هذا المؤلف الجليل ضمن سلسلة دار الرضا اللغوية والأدبية". ولكنها أصدرت الجزء الثاني من الكتاب بعد أكثر من عام من صدور الجزء الأول، وبعد لأي، وأصبح يتعين أن تبادر إحدى الجهات (دون تحديد لصفتها، على الإطلاق)، إلى إصدار الجزء الثالث من الكتاب(بصفته كتاباً في شعراء العصرين العثماني وعصر النهضة مستقلاً بموضوعه). بعد أن تأخرت الدار عن الوفاء بالعَقد الذي عقدته معي، ووقّع عليه مديرها، وختمه بخاتم الدار، ونصّ على أن يكتمل إصدار الكتاب بأجزائه الثلاثة في نهاية عام 2005. والدار تحتفظ إلى اليوم بنسخة من هذا الجزء منضَّداً مصححاً منقولاً على قرص صلب (CD)، ويضم العصرين العثماني وعصر النهضة الحديثة.
والواقع أن ثمة مآسي للكتاب والكُتَّاب مع بعض دور النشر، لو قصصتُ قصصها كاملة لاحتجت إلى من يصدّقني، فإن ما يأخذه الكتاب من نور البصر في تصحيح نصوصه، وبخاصة المشكولة، فضلاً عن كتابته، مقابل عدد من النسخ تُهدى إلى الأصدقاء والمهتمين، يقرب ألا يصدق، ولكنها الحقيقة التي تصور الواقع الثقافي العربي في الوقت الحاضر!...
--------------------
جريدة الاسبوع الادبي العدد 1040 تاريخ 27/1/2007