للترجمة من لغات الشعوب الأخرى وثقافاتها إلى اللغة العربية هموم عديدة، لعل أبرزها الافتقار إلى الاحتراف، وإلى خطة ثقافية لانتقاء ما يترجم.
طلعت الشايب كاتب ومترجم مصري كانت له في هذا الفن صولات وجولات، وقد كان للمشهد الثقافي معه هذا اللقاء.
طلعت الشايب:
إذا ظلت الترجمة عملاً فردياً ومشروعاً فردياً سيبقى القارئ تحت رحمة أهواء ورغبات وميول المترجمين، ومن هنا لابد أن يكون هناك مشروع قومي للترجمة في داخل القطر العربي الواحد، وعلى مستوى العالم العربي، أنا سأعطيك مثالاً، في مصر مثلاً التي أعرف فيها حال الترجمة، الهيئة المصرية العامة للكتاب تترجم المشروع القومي للترجمة التابع للمجلس الأعلى للثقافة يترجم، الهيئة العامة لقصور الثقافة تترجم، أكاديمية الفنون تترجم، ولك أن تعلم أن هذه الجهات الأربع تابعة لوزارة الثقافة المصرية ومع ذلك لا يوجد بينها خطة للترجمة، ولا لما ينبغي أن يترجم.
المشهد الثقافي:
لكن الترجمة لا تتم من لغات كل الشعوب
طلعت الشايب:
القارئ العربي لن يطلع عليها إذا لم تترجم، يطلع عليها فقط من يملك ناصية تلك اللغات، وهذا قليل، ولن يكون محققاً للفائدة المرجوة من حركة الترجمة، هناك مترجمون كثيرون ولكنهم يحجمون عن الترجمة، لأن المؤسسات لا تدفع ما يستحقون من مكافآت، أيضاً صعوبة الحصول على المواد الجديدة وعلى الكتب، أين هو المترجم الآن الذي يستطيع أن يسافر ليحضر الكتب، أو يطلب الكتب عن طريق الإنترنت؟ والكتب أصبحت الآن تحمله تكلفة كبيرة، ولذلك الترجمات الموجودة كلها ترجمات عن لغة، عن لغة، عن لغة، عن لغات وسيطة، عن اللغة التي يجيدها المترجم، الكتاب يصل بالصدفة، جهود فردية غير محكومة بعمل مخطط.
المشهد الثقافي :
استسهال الترجمة هل يشوه الكتب الأصلية؟
طلعت الشايب :
بالتأكيد يشوه الكتب الأصلية، لأن ليس كل من تعلم اللغة يصلح لأن يكون مترجماً، الترجمة هي تفاعل ثقافتين، تفاعل حضارتين، المترجم الذي لا يجيد الثقافتين ولديه خلفية ثقافية من الثقافتين التي ينقل منها وإلى الثقافة أخرى، لا يستطيع أن يقوم بتوصيل العمل على النحو المطلوب ولكن هذا أيضاً يتم في غيبة المشروع القومي، لأن الناشر موجود والمترجم الذي يحاول أو يدعي أو يستسهل، أو يختار الكتب الرائجة التي تجد الربح، وهذه هي الخطورة، خطورة حتى الناشر الذي يقبل على نوعية معينة ترضي الذوق المعين وليس لإحداث نهضة ثقافية أو لترقية ذوق وعقل القارئ كل ذلك وارد في غيبة مشروع قومي للترجمة.
المشهد الثقافي :
هل تكون الترجمة حرفية أم لا؟
طلعت الشايب :
الترجمة لا يمكن أن تكون ترجمة حرفية، لماذا؟ أنا أتحدث عن ما أترجمه، وأنا أترجم إبداعاً، وكتب نقد، وكتب أدبية عموماً وكتب إنسانية، الترجمة تذوق وأنت تنقل من لغة إلى لغة، ولكل لغة إيقاعها الخاص، والإيقاع لا يترجم، أنت تبحث في اللغة الجديدة، في اللغة الأخرى التي تترجم إليها عن الإيقاع الموازي أو المعادل للغة الأخرى.
الترجمة مطلوب فيها الدقة والانضباط في العلوم المنضبطة، تترجم كيمياء، تترجم فيزياء، تترجم رياضيات، تترجم علوم الحاسب الآلي، لكن الإبداع، الإبداع دلالة،
والدلالات مفتوحة، واللغات عبقرية، والمترجم الذي ينقل إلى لغته يعني أنا مثلاً أترجم من الإنجليزي إلى عربي وهو عربي، أمامه مثل اللغة العربية اختيارات وبدائل
كثيرة، بعكس المترجم الذي ينقل من العربي إلى الإنجليزي وهو أصلاً عربي، يعني أنا مثلاً عندما أترجم العربي إلى إنجليزي مهما تعلمت الإنجليزية فهي محدودة ولا يمكن أن تقارن بمعرفتي باللغة العربية، وإن كان ذلك سيجرنا إلى موضوع آخر وهو ثقافة المترجم.
عن برنامج "المشهد الثقافي" ـ قناة الجزيرة
الأحد 21/9/1421هـ الموافق 17/12/2000م