أصل لفظ ALCOOL العربي وما نقول مُقابله أغول أم كحول؟ ـــ د. عبد الكريم اليافي

Alcool – الغَوْل :
Alcool كلمة تستعمل بمعنى ما يستقطر من الخمر وتعبر عنه العامة بالاسبرتو ووجود الألف واللام في صدر كلمة Alcool يدل على أنها عربية الأصل لكنه قد تضاربت الآراء في أصلها فمن قائل كحل أو كحول ومن قائل كؤول أو كهول أو قَلي إلى غير ذلك، أما الكحل فليس من وجه شبه بينه وبين المائع المبحوث فيه إذ إن الأول جامد والثاني مائع والأول أسود والثاني بلا لون اللهم إلا إذا قلت إن الأصل كُحيل (بضم ففتح) وهو النفط "زيت الكاز" فهو يشبه الاسبرتو في أمرين: السائلية وسرعة الاحتراق. وأما كؤول فأقرب لفظ عربي إليه الكؤولة ومعناها أن يشتري الرجل أو أن يبيع ديناً له على رجل بدين لذلك الرجل على آخر وهذا المعنى أيضاً لا علاقة له بمعنى Alcool، وأما كهول فمعناه أن يصير الرجل كهلاً وهذا أيضاً بعيد عما نبحث فيه، وكذلك لم أر مناسبة بين الاسبرتو وبين القَلي والحاصل إني لم أجد لفظاً أوفق للمطلوب من الغول (بفتح الغين) من غاله يغوله إذا ذهب بعقله أو بصحة بدنه، ولا جرم أن الاسبرتو يذهب بعقل شاربه وبصحة بدنه وتسميته بالمصدر للمبالغة لأنه هو مادة الاسكار في كل شراب مسكر، وقد جاء في القرآن الكريم "لا فيها غول ولا هم عنها يُنزَفون" أي ليس في كأس الشراب التي يطاف بها على أهل الجنة خمار يغتال عقولهم ولا يصدرون عنها سكارى.
وورد في المجلة نفسها عدد كانون الثاني المجلد 23 عام 1984 (ص226) كلمة للأمير مصطفى الشهابي بعنوان ملاحظات على معجم الملاحظة الآتية:
وضعتُ أمام Alcool كحول. غَوْل. وقلت في الشرح: لم يجز بعض اللغويين الكلمة الثانية. ومن المعروف أن من معاني الغول في اللغة الصداع والسكر وما زال به العقل. فقال الأب(1): "الغول غلط. وقد بين الدكتور شوشه في مؤتمر المحفى (ويعني به مجمع مصر) سنة 1944 أن الصواب هو الكُحل، وأن الغول خطأ، وبرهن على ذلك بأدلة لا تقبل النقض البتة".
قلت لم أطلع على بيان الدكتور شوشة. ومن الثابت في معاجم أصول الكلم الفرنسية أن الاسم الفرنسي Alcool مستعار من كحل العربية بمعنى الاثمد المشهور، وإن الفرنسيين أطلقوه قديماً على الاثمد وأضرابه مما تكحل أو تداوى به العيون. ثم حرفوا معناه في أوائل القرن السادس عشر، وجعلوا له معنى جديداً، أي أطلقوه على السائل المعروف المسمى سبيرتو بعامية معظم البلاد العربية. أما الاثمد فسموه Kohl وهي كحل العربية. لكننا نحن العرب لم نطلق الكحل في القديم ولا الحديث على هذا السائل أي السبيرتو. ولست أرى لزوماً لتضمين كلمة كحل هذا المعنى الجديد. وأرجح ترجمة Alcool بالكحول أو الغول وكلاهما سرى على الألسنة، وشاع في الجرائد والكتب العلمية. ولو عدنا إلى أصل الكلمة الفرنسية وأطلقنا كلمة كحل على السبيرتو لحصل التباس شنيع فشتان ما بين الكحل الذي تسود أو تداوى به العيون وبين السبيرتو.
وقد سئل الشيخ عبد القادر المغربي عن كلمة الكحول بمعنى السبيرتو كيف تولدت في اللغة العربية وما أصل اللفظ أكحول أم غول فأجاب بمقال نشره في الجزء الرابع من المجلد الثامن والعشرين عام 1953 (ص 647-651). ويبدو أنه كان مطلعاً على رأي الطبيب محمد جميل الخاني فاستهل بحثه بالحديث عن النفط لينتقل بعدئذ إلى لفظ الكحَيل الذي يحسب أن الكلمة الأجنبية قد اشتقت منه. ونحن نجيز لأنفسنا أن نورد جل ما ذكره المغربي لزيادة إيضاح الموضوع. ولكن الأستاذ المغربي لم يذكر كتاباً كيماوياً عربياً ورد فيه ما يؤيد رأيه. ولهذا نعتقد أن أكثر كلامه من الظن والحسبان. فهو يقول بعد كلامه على النفط:

وكل هذا لا يهمنا وإنما يهمنا أن نعرف كيف اهتدى العرب إلى وضع كلمة (الكُحيل) للدلالة على المادة الكيماوية التي تسمى بالافرنجية (سبيرتو) –أولئك العرب الذين كانوا يراقبون الأشياء التي تقع تحت حواسهم بيقظة وانتباه ثم يميزون بين خصائصها ويضعون لكل شيء ذي صفة خاصة به اسماً يناسب تلك الخاصة. ومهما كثرت الأشياء وتعددت الخواص فإنهم واجدون لها من لغتهم الخصبة الطيعة كلمات للدلالة عليها.

وهكذا هم إزاء (النفط) مذ وجدوا بعضه سائل أبيض وهو أحسن أنواعه وبعضه سائل أسود(2) بسبب امتزاجه بشوائب زفتية وقد تتراكم هذه الشوائب وتتكتل فتُخرج النفط عن رقته وسيلانه فيصبح غليظاً خاثراً يسيل بصعوبة أو لا يسيل قط فيسمونه حينئذ زفتاً أو قاراً أو قيراً.

وكما كان العرب يستعملون القَطِران في شفاء جرب إبلهم استعملوا هذا النفط السائل أيضاً. فكان أحدهم يتناول قليلاً منه (أي من النفط) ثم يصبه بلباقة على نُقبة بعيره (يعني على بثرة الجرب التي ظهرت أول أول في جلده) كما يصبُّ الكحال الكُحل في العين الرمداء. ولا يلزم أن يكون الكحل مسحوقاً جامداً بل يكون سائلاً(3) أيضاً فقد قال صاحب "المحكم": "الكحل: كل ما وضع في العين يُشتفى به".

فلما استعمل العرب (النفط) علاجاً للنقَب أو لبثور النُقَب التي تبدو كالعيون في جلود إبلهم رأوا في النفط كُحلاً نافعاً لجرب الإبل ككحل العيون فلم يرضوا أن يحافظوا على اسمه القديم وهو النفط بل وضعوا له اسماً جديداً باعتباره شبيهاً بالكُحل فقالوا (كُحَيل) وأدخلوا عليه لام التعريف حتى كادوا لا يستعملونه من دونها. فقالوا (الكُحيل) قال القاموس وشارحه: (والكُحَيل كزُبير النفط يطلى به الإبل للجرب. وهو مبني على التصغير لا يستعمل إلا هكذا) ا هـ.
وقال صاحب لسان العرب ما نصه: (والكُحيل مبنيٌّ على التصغير هو الذي تطلى به الإبل للجرب لا يستعمل إلا مصغراً. قال الشاعر: (مثل الكُحيل أو عقيد الرُّبِ) ا هـ.
إذن صار للنفط اسم جديد في اللغة العربية وهو (الكُحيل) وقد جاءته هذه التسمية من كونه أسود بشوائبه الزفتية ككحل الاثمد الذي اشتهر بسواده من كونه تُعالج به بثور الجرب فيكون كحلاً لها ككحل العين السائل ونسميه القطرة.
ثم على تمادي الأيام أصبح (الكحيل) من أسماء النفط وتُنوسي فيه سبب الوضع والتسمية. وقد تخطى هذا الاستعمال الصدر الأول حتى بلغ زمن العباسيين الذي اشتغل فيه علماء العرب بفنون الطب والفلك والكيمياء والتجارب فيها. وبلغوا منها مبلغ الاكتشاف: من ذلك اكتشافهم مادة كيماوية سائلة بيضاء اللون تشتعل بسرعة ولما رأوها تشبه النفط الأبيض السائل أطلقوا عليها اسماً من أسمائه المعروفة وهو (الكُحَيل) وصاروا في كتبهم الكيماوية يستعملون كلمتين كلمة (النفط) مريدين بها الزيت المعدني المعروف وكلمة (الكُحيل) مريدين بها مادتهم المكتشفة الجديدة.
ووصلت كتب العرب في الكيمياء إلى علماء الافرنج فعرفوا لهم فضلهم في اكتشاف هذه المادة العجيبة النفع وقد سموها هم (سبيرتو) لكنهم مع هذا رأوا من وفاء الذمم أن يحافظوا على اسمها العلمي العربي الذي اصطلح عليه كيماويو العرب وهو (الكُحيل) لكنهم (أي كيماويو الافرنج) حرفوه إلى ما يناسب رطَانتهم فقالوا (الكُحول) أو (الكُؤول).

وخلاصة القول إن علماء الكيمياء العرب سموا روح (السبيرتو) باسم من أسماء النفط وهو (الكحيل) كما مر عن القاموس. وذلك مذ رأوا الشبه تاماً بينهما (أي بين مادتهم المكتشفة وبين الكُحيل الذي هو النفط) من جهة الميوعة وبياض اللون الضارب إلى زرقة أو صفرة وقابلية الاشتعال.

أما الذهاب إلى أن "الكحول" في كتب الإفرنج محرفة عن "الغَوْل" الواردة في قوله تعالى في صفة خمرة الآخرة "لا فيها غول" فهذا يستدعي أن يكون كيماويو العرب استعملوا في كتبهم الكيماوية كلمة "الغول" القرآنية ثم أخذها الافرنج عنهم وحرفوها إلى (الكحول) مع أن أطباء العرب لم ينقل أنهم استعملوا كلمة "الغول" القرآنية لمادتهم المكتشفة.

إن الإفرنج لا يوجد في لغاتهم حرف الحاء فضلاً عن أن يخترعوها ويدسوها في كلمة "الغول" التي حرفوها إلى (الكحول) أولاً ثم إلى (الكؤول) ثانياً ولا يخفى أن المراد بالغَوْل في القرآن الاغتيال مصدراً لا اسماً أي أن خمرة الجنة لا تغتال العقول.

المغربي :
اطلع الكيماوي الصيدلي الدكتور محمد صلاح الدين الكواكبي وهو من أعضاء المجمع العلمي العربي كالشيخ المغربي فنشر في مجلة المجمع المجلد 29 عام 1954 في باب آراء وأنباء (ص474-476) بحثاً عقب فيه على رأي الشيخ بعنوان:
(غَوْل) أم (كُحُول)؟
كان الأستاذ المغربي –أمدَّ الله في حياته- كتب في هذه المجلة (الجزء الرابع من المجلد الثامن والعشرين، في الصفحة 647، من السنة 1953) كلمة حول (الكحول) و (الغول) وأتى بشرح لكلمة (كُحيل) وإمكان إطلاقها على ما يقصده العامة من كلمة (اسبيرتو) ذلك المائع اللاذع المستقطر من كل مادة سكرية خمور (fermentescible) عانت اختماراً غولياً بفعل خميرة يسميها الكيمياويون (غَوْلاز alcoolase). لكن هذا الشرح زاد في الأمر تعقيداً وأضاف إلى مرادفات هذه المادة كلمة جديدة نحن في غنى عنها وفي أيدينا كلمة (غول) الملائمة كل الملاءمة للغرض المستعملة له سواء أكانت حديثة الاستعمال لما يوافق (alcool) الافرنجية أم كانت قديمته.

أما إن أصل كلمة (alcool) الافرنجية عربي من al, cohol كما استنبطه الغربيون) فهذا لا ريب فيه باعتراف الفرنجة أنفسهم بذلك. وإنما استعاروا نعومة خاصة في الـ (كحل) الصلب، وهو ذرور غاية في النعومة، (يستعمل للتكحيل)، للطافة وبَخورية (volatilité) في (الغول) المائع، وهو قُطارة غاية في اللطافة والبخر، من باب المجاز لا من باب الحقيقة والانطباق على الواقع، لأنهم يقولون: (al: الـ، بالعربية، و cohol: شيء طيار (chose subtile. و (subtil من اللاتينية subtilis: غاية في النعومة والدقة واللطافة الخ. ومنها في الافرنسية مصدر subtiliser: بخَّر، صعَّد، حوَّل إلى بخار أو غاز. فالـ (subtil) على هذا بَخور، صَعود، وِزان فَعول الدال على القابلية).

وعندي أن العرب وهم أول من استقطر (الغول) من النبيذ أو الخمر، لم يسموه (كحول)(4) ولا كُحيل، (على التصغير) إنما أسموه في البدء (روح النبيذ أو الخمر) من الاستقطار أو البخر والتصعد فكأنما هو روح يَصعَّد من صميم النبيذ. وهذا ما حمل الافرنج أن يشرحوا (cohol) بكلمة (subtil) أي البخور، الطيار الصَعود الخ، وينقلوا عن العرب جملة بالمعنى نفسه (esprit- de- vin) وباللاتينية (spirito) ومعناها الروح.

بعد هذا لا مجال لوجه الشبه بين (الكُحل) الصلب أو (الكُحيل) المائع الغليظ الكثيف حتى يطلق العرب – وهم مشهورون بسلامة الذوق ودقة التشبيه – على (روح النبيذ) كلمة (كحل) أو (كحيل).

ولو كان (alcohol) منتقلاً عن (الكُحيل، بضم ففتح) لوجب أن تكون في لسانهم (alcohyl) لا (alcohol) التي ليس من شك في أنها عن (كُحل).

والأتراك يلفظون الكلمة الافرنجية (alcool): (كُؤول) بالهمزة وبضمة ثقيلة مبسوطة كما في لفظ الكلمة (حُؤول) إذ لا يستطيعون لفظ الحاء من مخرجها الحقيقي من الحلق. ولولا اللبس بكلمة (الكُهول) –جمع كهل- للفظوها (كهول) كما هي عادتهم في لفظ الحاء العربية هاء. ومنهم انتقلت إلى من أخذ عنهم في مدارسهم من العرب (من سوريين، وعراقيين، ومصريين) في العهد العثماني السابق. والزملاء المصريون لا يزالون يستعملون كلمة (كحول) ويحسبونها (مفرد) لا (جمع)(5) فيقولون ويكتبون في محادثاتهم ونشراتهم أو مجلاتهم: (كحول صاف، كحول أبيض) وقد سها عن بالهم أن (كحول) إن صح تسمية (السبيرتو) بها فهي جمع (كحل) وإن (كحول جمع مؤنث). فالخطأ مضاعف: 1) استعمالهم الكحل لما يوافق (الغول)، 2) ظنهم (كحول)(6) مفرداً لا جمعاً ووصفهم إياها بصفات التذكير لا التأنيث.

أما قول الأستاذ المغربي الفاضل إن (الغول) هو (الاغتيال) فهو صحيح. وفي القاموس: (الغول، الصداع، والسكر)، ومن أطلق هذه الكلمة على المائع المستقطر من الخمر قد أصاب لتسميته الشيء بما يؤول إليه، كما في (إني أراني أعصر خمراً، الآية، أي العنب الذي سيحوّل إلى خمر، لأن الخمر لا تعصر. فخمر الجنة (لا غول فيها)(7).

فالصداع والسكر والعربدة و (الاغتيال) وكل ما يبدو من شارب الخمر وغيرها من الأشربة الروحية، من شذوذ فعلاً وخُلقاً ما هو إلا مما تحتوي عليه الخمر أم الخبائث، من (السبيرتو) المادة التي لا ريب في تأثيرها في العقل والجملة العصبية جمعاء.

فهل من مانع يمنع من إطلاق (الغول) على (السبيرتو) المادة التي تنجم عنها العوارض المرضية والجنونية فهي السبب في كل هذه الحالات الشاذة التي تبدو على السكران جسماً وروحاً، وهي السبب في تحريم شربها في الإسلام. فالخمر لولا (الغول) أو (السبيرتو) فيها لما أحدثت في شاربها أكثر مما يحدثه الماء الزلال من لذة الارتواء ونقع الغلة.

ومثل الغول كلمة (الغُول، بالضم) فهي: (الهَلَكَة والداهية). فكأن شارب الخمر (أو السبيرتو) يشرب الهلاك، ويتجرع الموت عاجلاً أو آجلاً.

هذا ما رأيت أن أبديه على صفحات مجلتنا استجلاء للحقيقة، وأنا شاكر لواضع كلمة (الغول) لما يقابل (السبيرتو) كائناً من كان – فهو موفق في إطلاقه هذا –وماضٍ في استعمالها منذ اطلاعي عليها من أمد بعيد، وعامل على إشاعتها بين طلابي والناطقين بالضاد، تاركاً الكحل، للعين –والكحيل، للنفط والقطران الذي يطلى به الإبل.

الكواكبي :
-2-
نجد في الموسوعة العالمية Encyclopedia Universalis ما ترجمته: "لفظ alcool جاء من العربية al khoul أو al kohl ومعناه في الأصل ذرور ناعم جداً لمادة Stibine التي هي كبريت الانتموان (الاثمد). وقد ارتبط بهذا اللفظ معنى الدقة واللطافة حتى إن الكيماويين القدماء كانوا يطلقونه على أصناف مسحوقة دقيقة لا تكاد تلمس تنشأ من التصعيد كما يطلقونه على العناصر الطيارة الناجمة من التقطير. وقد سمى باراسيلس المادة الحاصلة من تقطير الخمر alcool vini. ومنذ غرّة القرن التاسع عشر غدا هذا المعنى للفظ alcool يستعمل دون أن يوصف بأنه آت من الخمر ويكاد يكون محصوراً به. (أسمح لنفسي أن أستعمل لفظ الغول الآن في سياق الترجمة قبل أن أنتهي إلى الحكم). إن غول الخمر الذي اسمه العلمي ايتانول أفضى إلى عدد لا بأس به من التحولات الكيمياوية. وهي تحولات تشبه شبهاً قوياً تحولات مركبين آخرين هما غول الخشب (ويدعى اليوم ميتانول وكربينول) والغول الستيلي alcool cétylique المستخرج من بياض الحوت (وهو يوجد في الجيوب الجبهية لسمكة العنبر Cachalot مذاباً في مادة زيتية هي الزيتين أو الأولئين oleine)(8). وبالتدرج غدا لفظ الغول اسم جنس يدل على جميع المركبات المشتقة من الفحوم(9) الهيدروجينية بتبديل جذر الماءات أو الهيدروكسيل بذرة هيدروجين من فحم هيدروجيني مشبع أي هو يطلق على المركبات التي يجمعها الدستور Roh على أن يكون الجذر R منتهياً بفحم مشبع. وهذا التحديد مهم. وذلك أن المركبات من نوع CH2= CHOH ونوع C6 H5 OH ليست أغوالاً بل هما من فصيلة اينول enol وفينول Phénol . إن الزمرة OH المرتبطة بفحم مشبع هي الزمرة الوظيفية للأغوال. هذا، ومن البين أن هذه الزمرة قد تحملها هياكل غير مشبعة مثل CH2= CH- CH2 OH وكذلك C6 H5- CH2OH اللذين هما غولان.

وقد تحمل تلك الهياكل وظائف كيماوية أخرى. فإذا كانت هذه الوظائف غولية كان الجسم غولاً متعدد الهيدروكسيل أي ثنائي الوظيفة الغولية أو ثلاثيَّها أو أكثر من ذلك. وإذا تفاوتت الوظائف أفضت إلى مركبات ذات وظائف مختلطة كوظائف الالدهيد والسيتون والحموض والأمين وغيرها مع الوظيفة الغولية".

هذا وإذا كنا أطلنا الترجمة فلكي نبرز تدرج اللفظ الأجنبي من الكحل العربي إلى روح الخمر ثم إلى الوظيفة أي الخاصة الغولية عامة. فلا يدل الغول على مادة واحدة معينة بل يدل على مواد جد مختلفة تجمعها وظيفة كيماوية واحدة. هذا في الكيمياء. ولكن شاع إطلاق لفظ الغول على الايتانول الصافي أو المشوب المدعو بالسبرتو باللغة العامية وهو في الأصل ترجمة أجنبية للفظ الروح العربي.

هذا والكيمياوي بارسلس الذي ذكرته الموسوعة أو بارسلوس Paracelsus كيمياوي وطبيب سويسري عاش في القرن السادس عشر الميلادي ومات 1541 ولقبه هذا اللاتيني مستعار واسمه الحقيقي Theophrastus Bombastus von Hohenheim وقد شاع عند الغربيين قديماً انتحال ألقاب لاتينية. واشتهر هذا المؤلف بعداوته للعرب وانتحاله كتبهم. والايتانول تركيبه C2 H5 OH والميتانول CH3 OH والغول السيتيلي C16 H33 OH . والتحولات المشار إليها في الموسوعة تحول الغول إلى أجسام أخرى كالحمض والألدهيد والخلون وغيرها.

جاء في معجم اكسفورد الشهير The Oxford English Dictionary ما خلاصته: alcohole, alchohol, alcool, Alcohol من اللاتينية alcohol وقبلاً من العربية الكحل al-Kohl أي Collyrium (أي الكحل أو الشياف) وهو ذرور يستعمل لصبغ الجفون. ظهر اللفظ في الإنكليزية كما في أغلب اللغات الحديثة خلال القرن السادس عشر. وفي الفرنسية alcohol ثم صار اللفظ فيها alcool.

آ-يدل اللفظ في الأصل على ذرور معدني يستعمل في الشرق لصبغ الجفون وغيرها وهو مسحوق الأنتموان أو ركازه المسمى stibnite (ويقال أيضاً stibine) وهو ثالث كبريت الأنتموان (S3 Sb2)(10) كان يعرفه اليونان لهذه الغاية أو هو أحياناً مسحوق الغالين galena أو ركاز الرصاص (هو كبريت الرصاص Spb). ثم ينقل هذا المعجم الإنكليزي عن مؤلفين كتبوا في عام 1615، 1626، 1650، 1657 أن كلمة alcohol تدل عندهم على ذرور الاثمد كما يذكر مؤلفاً كتب عام 1815 أن نساء البربر يصبغن شعورهن وأهداب جفونهن بما يدعونه al Kahol وهو مسحوق ركاز الرصاص، وأن ما كان يستعمل للزينة خاصة هو الاثمد يدعونه al Kohol أو Esphahany أصفهاني (وسيرى القارئ لم دعي الاثمد بالأصفهاني).
ب-وعلى هذا وبالتوسع في الكيمياء المبكرة غدا اللفظ يدل على ذرور ناعم دقيق يحصل بالسحق أو بالتصعيد حتى إنه أطلق على الحديد المرجع reduced iron فدعي هذا alcohol martis وعلى زهر الكبريت فدعي هذا alcohol of sulphur.
ج-وبالتدرج انتقل اللفظ للدلالة على ماهية أو خلاصة أو روح سيال حاصل بالتقطير وبالتكرير rectification كروح الخمر فدعي روح الخمر هذا alcohol of wine واستعمل جونسون في لقسيقون الكيمياء عام 1657 alcohol vini للعنصر السائل الدقيق المفصول عن الخمر.
وشاع إطلاق alcohol اختصاراً على روح الخمر ثم على الشراب الذي يشتمل عليه فإذا قصدت تفاوته قيل الغول المطلق أو اللا مائي.
هـ- ثم إن معجم اكسفورد يذكر في النهاية أن اللفظ يطلق في الكيمياء العضوية على صنف واسع من المركبات التي هي كروح الخمر مؤلفة من الفحم والهيدروجين والأكسجين بعضها سائل وبعضها صلب كما سلف أن عرضنا الأمر آنفاً ولكن بإيجاز شديد.

-3-
في تاج العروس "غاله الشيء يغوله غولاً أهلكه كاغتاله وغاله أخذه من حيث لم يدر. وقال ابن الأعرابي غال الشيء زيداً إذا ذهب به يغوله وقال الليث: غاله الموت أي أهلكه. والغول الصداع وقيل السكر، وبه فسر قوله تعالى: )لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون( أي ليس فيها غائلة الصداع لأنه تعالى قال في موضع آخر: )لا يصدعون عنها ولا ينزفون". وقال أبو عبيدة: الغول أن تغتال عقولهم وأنشد:

وما زالت الخمر تغتالنا * وتذهب بالأول الأول

وقال محمد بن سلام: لا تغول عقولهم ولا يسكرون. وقال أبو الهيثم: غالت الخمر فلاناً إذا شربها فذهبت بعقله أو بصحة بدنه. وقال الراغب: قال الله تعالى في صفة خمر الجنة لا فيها غول نفياً لكل ما نبَّه عليه بقوله: وإثمها أكبر من نفعهما، وبقوله عز وجل: "رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه".
وفي التاج أيضاً "والكحل الاثمد وهو الذي يؤتى به من جبال أصفهان كالكحال ككتاب. وفي المحكم الكحل كل ما وضع في العين يشتفى به. وكحل السودان هي البشمة وكحل فارس الأنزروت وهو صمغ يؤتى به من فارس فيه مرارة منه أبيض وأحمر وكحل خولان الحُضُض(11)... وكحل العين كمنع ونصر كحلاً فهي مكحولة وكحيل وهذه عن الفراء وكحيلة وكَحِل كخجل وكَحلة من أعين كحلى وكحائل عن اللحياني وكحلها تكحيلاً أنشد ثعلب:

فما لك بالسلطان أن تحمل القذى * جفون عيون بالقذى لم تكحل

وفي حديث أهل الجنة جرد مرد كحلى جمع كحيل كقتيل وقتلى. والكَحَلُ محركة أن يعلو منابت الأشفار سواد مثل الكُحل خلقة من غير كُحل أو هو أن تسوّد مواضع الكحل وقد كحل كفرح فهو أكحل وهي كحلاء. وقيل الكحلاء الشديدة السواد سواد العين أو التي تراها كأنها مكحولة وإن لم تكحل. قال: كأن بها كُحلاً وإن لم تكحَّل.
وقال ابن النبيه:

كحلاء نجلاء لها ناظر * منزّه عن لوثة المرود

وقال الأبوصيري:

قل للذين تكلفوا زي التقى * وتخيَّروا للدرس ألف مجلد

لا تحسبوا كحل الجفون بزينة * إن المها لم تكتحل بالاثمد"

هذا وقول التاج في الكحل: يؤتى به من جبال أصفهان يفسر ما جاء في معجم اكسفورد من تسمية الكحل بالأصفهاني.
وجاء فيه "والمكحل والمكحال كمنبر ومفتاح الملمول الذي يكتحل به. كذا في الصحاح. وفي المحكم الآلة التي يكتحل بها. وفي التهذيب الميل يكحل به العين من المكحلة.

قال الشاعر:

إذا الفتى لم يركب الأهوالا * وخالف الأعمام والأخوالا
فأعطه المرآة والمكحالا * واسعَ له وعدّه عيالا

وورد فيه: "والكحيل كزبير النفط يطلى به الإبل للجرب. وهو مبني على التصغير. لا يستعمل إلا هكذا. نقله الجوهري عن الأصمعي أو هو القطران يطلى به الإبل. ورده الأصمعي فقال: القطران إنما يطلى به للدَّبَر والقردان(12) وأشباه ذلك، وإنما هو النفط. وأنشد الصاغاني لعنترة بن شداد:

وكأن رُبَّاً أو كحيلاً مُعقداً * حشّ الوقودُ به جوانب قُمقُمِ

وقال غيره: مثل الكحيل أو عقيد الرُبِّ
قال علي بن حمزة: هذا من مشهور غلط الأصمعي، لأن النفط لا يطلى به الجرب وإنما يطلى بالقطران. وليس القطران مخصوصاً بالدبر والقردان كما ذكر ويفسد ذلك قول القطران الشاعر:

أنا القطران والشعراء جربى * وفي القطران للجربى شفاء

وكذلك قول القُلاَّخ المِنقري:
"إني أنا القطران أشفي ذا الجرب".
وفي الأساس:"ومن المجاز هو أسود كالكحيل المعقد وهو القطران شبه بالكحل في سواده".
وفي رأينا أن الكحيل هو أقرب ما يكون من المازوت كما ذكر صاحب متن اللغة حتى إنه يمكن إطلاقه عليه إذا أريدت ترجمته بدلاً من تعريبه أي من إدخاله اللغة العربية وإخضاعه لقواعدها في أحد معاني لفظ التعريب.

ولكن لفظ المازوت نفسه من أصل عربي دخل اللغة الروسية ومنها دخل بعض اللغات الحديثة كالفرنسية (انظر معجم Lexis الفرنسي ونظن أن أصله العربي آت من الزيت وربما كان من اسم المفعول أي المزيوت نسبة إلى التراب المزيوت أو المزيت الذي كانوا يصادفونه في أذربيجان).

وقد استطردنا هذا الاستطراد الواسع لفائدته اللغوية ولبيان أنا لا نجد في كتب اللغة ومعجماتها من فائدة في تفسير ما نحن بصدده، لأن الغربيين نقلوا أكثر المعلومات عن كتب العلم العربية وإن كانت لم تخلُ ترجماتهم إلى اللاتينية حتى كتب النحو والأمثال والأدب والدين والتصوف زيادة على الفلسفة والعلم.

لذلك من المناسب أن نبحث في كتب الكيمياء والصيدلة إلى جانب المعجمات اللغوية نجد مثلاً في كتاب "منهاج الدكان ودستور الأعيان" الباب الثاني عشر في الأكحال.

يذكر المؤلف فيه أصنافاً متعددة منها. وفي آخر وصف كل كحل مركب من العقاقير والعناصر المعدنية والنباتية ما نصه أنه "يدق الجميع وينخل ويخلط ويعاد إلى السحق إلى أن يعود في حد الغبار ويكتحل به" أو "يدق الجميع ناعماً ويتخذ ذروراً" ويبلغ عدد الأكحال في منهاج الدكان نحو ثمانية وأربعين كحلاً. هذا عدا الشيافات وهي الأدوية التي تعالج بها العيون. وقسم منها يسحق وإن لم يكن بمثل تلك النعومة.

من كل ما سلف نستخلص أن لفظ الكحل تدرج من الدلالة على مادة هي الاثمد تسحق لتكحل بها العيون لتتشبه بالعيون الدعج العربية الكحيلة خلقة وهي من أبدع ما خلق الله. وقد حاول أن يوحي بسحرها أبو حرزة حين قال:

إن العيون التي في طرفها حور * قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به * وهن أضعف خلق الله إنسانا

وعلي بن الجهم الذي فتنته العيون البغداديات فأنشد:

عيون المها بين الرصافة والجسر * جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري

كما حاول آخرون أن يشبهوها بعيون البقر الوحشية وعيون الظباء وشتان ما بينها وبينها.

ثم تدرج لفظ الكحل بحسب تنوع تركيبه للدلالة على كل ذرور يجمل العين ويكحلها.

ولما نقل الغربيون فيما نقلوه هذا اللفظ نقلوا تدرجه معه فأصبح يطلق على كل ذرور دقيق ناعم جداً ثم انتقل إلى ما هو سائل صاف مستخلص كالروح.

وكذلك نقلوا فيما نقلوه لفظ الروح وتطوره. ومن المعلوم أن للروح في العربية معاني متعددة لغوية ودينية وفلسفية وطبية وكيماوية ويهمنا هنا معنى الروح الكيماوي فقد قسم العرب المعدنيات إلى أرواح وأجساد وسموا أفراد كل منها وحصروا الأرواح أول الأمر في النوشادر والزرنيخ والكبريت والزئبق. ثم تدرجوا في دلالة الروح على ما لا يثبت على النار بالتقطير أو التصعيد. وانتقل اللفظ بمختلف دلالاته إلى اللاتينية، ومنها إلى لغات أوربة الحديثة. ذكر دوزي في هذا السبيل أن الروح في الكيمياء تعني السيال اللطيف جداً وتعني الغاز وتعني جوهر الشيء.

هذا وينبغي أن ننبه على خطأ وقع فيه فريق من محققي التراث العربي وهو أنهم إذا وجدوا لفظاً مستعملاً في اللاتينية له شبيه في العربية وهموا فحسبوا أن اللفظ العربي منقول عن اللاتينية. ويكون الأمر على خلاف ذلك تماماً لأن اللاتينية لغتان قديمة ومتأخرة. والمتأخرة هي التي جرى نقل الكتب العربية على أنواعها إليها وتسربت فيها ألفاظ عربية كثيرة فاتسعت واستفاضت وغذّت بمادتها اللغات الأوربية كلها. ومن هذه الألفاظ التي انتقلت إلى اللاتينية بمعانيها المختلفة الروح والكحل.

وكذلك الأمر في اللغة اليونانية فإن طائفة من الألفاظ العربية انتقلت أيضاً إليها خلال الحروب الطويلة السجال بين العرب والروم ولا سيما إبان الدولة الحمدانية وفارسها سيف الدولة.

وقد بلغت اللغة السريانية عصرها الذهبي في ظل الدولة العباسية لدى حركة الترجمة المشهورة وتبادلت اللغتان الشقيقتان طائفة من الألفاظ.

أما اللغة العبرية فإنما بلغت نضجها في ظلال الحكم العربي بالأندلس حين أخذت عن العربية كثيراً من ألفاظها كما أخذت قواعد نحوها وقسماً من بحور عروضها. فمن الضروري التمهل في الأحكام والتبصر في البحث والرجوع إلى تاريخ استعمال اللفظ.

-4-
وإذن أصل لفظ Alcool الكحل. ولكن لا يمكن استعمال اللفظ العربي أي الكحل للدلالة على هذه المادة أو هذا الصنف الكيماوي من المواد خوفاً من الاختلاط لبعد المراد في التعبير عن الأصل.

وقد شاع إطلاق الكحول على هذه المواد. بيد أنَّا لا نرى في هذا الإطلاق سبباً لاتخاذ اللفظ في العربية لأن الكحول صيغة للجمع. وجمع الكحل ورد على الغالب أكحالاً وورد أحياناً كحولاً.

ثم إذا استعمل الغربيون لفظاً أصله عربي وتدرجوا في استعماله وتوسعوا في هذا الاستعمال إذ احتاجوا إلى هذا اللفظ الجديد نظراً لضيق لغاتهم وضعف بناها وضحل اشتقاقها من بعض الوجوه فلا يلزمنا نحن العرب أن نتبعهم في كل تحريفاتهم إلا إذا اضطررنا إلى ذلك وعزّ أن نجد مقابلاً في اللغة العربية.

أما كحيل فلا نوافق الشيخ المغربي في اعتباره أصلاً وقد سلف أن أشرنا إلى نوع اجتهاده. وقد سبقه الدكتور محمد جميل الخاني إلى استشفاف الأصل العربي هل هو كحل أو كحيل أو غول.

والعجيب في اتساع اللغة العربية وعمقها أنها وجدت لفظاً لهذه الطائفة من الأجسام الحاصلة من تبادل H وذرة أكسيدريل في الفحم الهيدروجيني المشبع قبل الكشف المتطور الطويل عن تلك الأجسام واستبانة تركيبها. ولا نكاد نلفي لغة غنية بالألفاظ والاشتقاق والتركيب والنحت ومواتية لمختلف الأغراض مثل اللغة العربية. وكأنها هي التي سبقت إلى كشف مادة الغول بذكر لفظه قبل كشف بنيته وتركيبه، وإن كان العرب قد قطروا الأجسام وصعدوها وحصلوا على خلاصاتها وأرواحها وعرفوا منها روح الخمر. فالغول مصدر واسم. واستعماله في الدلالة الحديثة يغني عن استعمال لفظ له صيغة الجمع وليس بجمع. ثم إن الغول بصفته مصدراً متهيئاً لمختلف الأغراض الاشتقاقية كغوّل وتغوّل واغتال واستغول واغوالّ، وكذلك يصلح بوصفه اسماً للجمع فيقال أغوال وإذا زيدت تاء التأنيث قيل غولة وجمعها غولات، ويمكن اشتقاق لفظ الآلة منه فيقول مغوال ومغولة ومغول وهلم جرا لمختلف القياسات. وهذا كله يساعد على ترجمة الألفاظ الأجنبية المتعددة التي اشتقت من لفظ هجين عندهم هو Alcool. وما أكثر هجناءهم وتعبيراتهم المضطربة لولا مناهجهم العلمية التي هم مثابرون عليها ولولا تعاونهم في سبيل التقدم والعلم.

وقد استعمل لفظ alcool عندهم مجازاً. عبَّر الشاعر الإنكليزي الشهير صمويل تيلر كلردج (1772-1834) عن الغرور والأثرة المفرطة بقوله alcohol of egotism (عام 1830).

واستعمال لفظ الغول ومشتقاته مجازاً وارد في اللغة العربية وهو أجمل من استعمال لفظ الكحول مجازاً.

قال أبو فراس الحمداني متغزلاً. ذكر هذه الأبيات الشيخ حسن البوريني في شرحه لديوان ابن الفارض- وليست في ديوان أبي فراس المجموع المحقق وهي من ألطف الشعر:

سكرت من لحظه لا من مدامته * ومال بالنوم عن عيني تمايله
فما السلاف دهتني بل سوالفه * ولا الشمول ازدهتني بل شمائله
ألوى بقلبي أصداغ له لوِيت * وغال قلبي بما تحوي غلائله

ونحن إنما نكتفي بهذه العجالة. ولو شئنا التبسط لطال البحث دون أن نخرج عما أفضينا إليه من نتائج.

يبقى أن يتذاكر الكيماويون العرب أنفسهم ويتعاونوا في وضع مصطلحات عربية تقابل المصطلحات العلمية الكثيرة والأجنبية المشتقة من لفظ الغول على أن يكون معهم مختصون باللغة والتراث العربيين يستشارون لدى الحاجة. وقليل ما هم.

والغريب أن يتردد بعض أبناء العرب في استعمال لفظ الغول وهو أقرب للمراد من الكحل. وقد رأينا أن الأجانب استعملوا قديماً للدلالة عليه لفظاً بعيداً جداً منه جرهم إليه تخبطهم كما ظهر في إملاء اللفظ عند نقله.

هذا وكثيراً ما دعيت الخمر بأم الخبائث. وهي في الحقيقة كذلك. غير أن للبحث العلمي الذي قد يشبه التصعيد والتقطير كيمياء عجيبة تستطيع أن تحول ما في الخمر من خبث وشر فتجعله طيباً وخيراً ظاهريين بما يفضي إليه البحث من نتائج علمية ولغوية وأدبية.

5-خاتمة:
بعد أن كتبت هذه السطور لاح لي خيال الخليل بن أحمد الفراهيدي وهتف في سمعي بهذه الأبيات:

يسائلني صديقي ما يقول * أغول أم كُحَيل أم كحول
فقلت له دع الأوهام طراً * وقل غول لشاربه يغول
وإن الاشتقاق له ظهير * وكم فرع تؤيده الأصول
إذا عرضت لي الآراء شتى * جزمت بما أراه وما أقول
أدقق في المعاني والمباني * وأورد كل خاطرة تجول
أنا العربي عندي كل حكم * تؤيده الطبائع والعقول
فُطرت على الصَّحاح بغير كسر * ولم تجمح بأمثالي الميول

"عبد الكريم اليافي"
-----------------
الحواشي:
(1) يعني الأب أنستاس الكرملي.
(2) هكذا جاء والصحيح بعضه سائلاً أبيض.. وبعضه سائلاً أسود.
(3) جاء في اللسان في مادة (البَرَم) إنه بمعنى الكحل وإنه قيل للمفضل ما البَرَم قال: الكحل المذاب، ولا نعلم ماذا أراد المفضل بالكحل المذاب؟ أأراد به الكحل السائل الذي وضع في العين للاستشفاء؟ أو أراد به (الكحيل) مصغراً بمعنى النفط الذي يصب على بثور الجرب في الإبل كما يأتي. (المغربي).
(4) الصحيح في النحو كحولاً ولا كحيلاً ولا حاجة لاعتبار اللفظ وارداً على الحكاية.
(5) الصحيح مفرداً لا جمعاً.
(6) الصحيح كحولاً.
(7) يريد الكواكبي لا فيها غول كما ورد في القرآن الكريم.
(8) ما بين الهلالين من إضافات كاتب السطور. والياء والنون المزيدان على اللفظ معناهما آت من أو موجود في.
(9) نستعمل كلمة فحم مقابل Carbone خلافاً لما ذهب إليه بعض الكيماويين الحديثين من استعمال اللفظ الأجنبي.
(10) ما جاء بين الهلالين من كاتب السطور.
(11) الأنزروت ويقال أيضاً العنزورت صمغ شجرة بهذا الاسم من فصيلة القطانيات اسمها اللاتيني astragalus sarcocolla والحضض بضمتين نبات من الفصيلة الباذنجانية واسمه اللاتيني Lycium afrum والفرنسي Jasmin dAfrique Lyciet والإنكليزي Box- thorn والكحل عصارته والبشمة اسمها اللاتيني Cassia Absus ويقال لها العدسة المرة وأيضاً جمشك وجشميز وتششم وششم وهذه ألفاظ فارسية انظر معجم أسماء النبات لأحمد عيسى ومعجم أسماء النبات الواردة في تاج العروس لمحمود مصطفى الدمياطي. ولكن أحمد عيسى يذكر اللفظ الأخير بالياء (يشم) وفي التاج تأكيد على أنها بالباء في مستدرك مادة بشم.
(12) الدَبَر بفتحتين جمع دبرة وهي قرحة الدابة أو كالجراحة تحدث من الرحل ونحوه والقردان بكسر القاف جمع قراد بضمها وهي دويبة تتعلق بالبعير ونحوه كالقمل للإنسان.
-------------
في المصطلحات الغولية :
وبعد فقد تمثل لي ثانية خيال الخليل بن أحمد الفراهيدي حين ختمت مقالي فخاطبني قائلاً برفقه المعهود: ويحك! لقد درست في شبابك الكيمياء دراسة واسعة وحزت شهادة الكيمياء العامة بباريس وقضيت عاماً في معهد الصنوبر الكيماوي التابع لجامعة بوردو وعاماً آخر في مخبر الكيمياء العضوية للسيدة رامار بالسربون، وكم قطَّرت وصعَّدت وبادلت بين ذرات الأجسام إلى جانب دراستك المتعددة، ثم تقف بعد جلائك اللفظ المناسب وهو الغول تقابل به اللفظ الأجنبي alcool ولو اختلفت أصولهما وتطلب إلى غيرك أن يضعوا المصطلحات المشتقة! ألا تحفظ قول المتنبي:

ولم أر في عيوب الناس شيئاً * كنقص القادرين على التمام

قم وأتمم ما بدأت واقترح ما يتيسر من المصطلحات في هذا المجال. فأخجلني العتب يصدر من إمام عربي عظيم فقلت: يا أبا عبد الرحمن كيف أحجم عن رغبتك وأصدف عن دعوتك وأنت سيد الأدباء في علمك وزهدك وعبادتك وإبائك وشجاعتك وذكائك! ألم يقل فيك معاصرك سفيان الثوري الذي كان أمير المؤمنين في الحديث وسيد أهل زمانه في علوم الدين والتقوى: من أحب أن ينظر إلى رجل خُلِق من الذهب والمسك فلينظر إلى الخليل بن أحمد؟! لله درك! ما تنفك حتى خيالاً تدعو إلى الجد والعمل والنشاط حسبي أن تهتف فأسمع وتدعو فأجيب، على بعدما بيننا من الزمان واختلاف المكان. فلقد عشت في القرن الثاني الهجري ونحن في غرة القرن الخامس عشر، وأنت في الدار الباقية ونحن في الدار الفانية، ولكن فناء هذه الدار هو الذي يضمن بالخيرات بقاء تلك الدار.
ثم عكفت على تلقف المصطلحات الأجنبية وتلقن مقابلاتها العربية وهاأنذا أعرضها على الرصفاء أساتذة الكيمياء العضوية. قَطني الاقتراح ولهم الأخذ أو الإطراح.

غويلة (على وزن خميرة)، غولاز alcoolase alcoholase

غولات alcoolate alcoholate, alkoxide

وهي مواد حاصلة من تبديل ذرة معدن بذرة هيدروجين في الوظيفة الغولية.

غولنة، صبغة الغول alcoolature alcoholature

مادة حاصلة من نقع نبات أو غيره في الغول

غولمة alcoolémie alcoholemia

عبارة عن وجود الغول في الدم

غولل، غوَّل alcoolifier alcoholise, alcoholize

أي صيَّر مادة قابلة لاختمار غولا

غَوْلي، غِوِيل، مِغويل alcoolique alcoholic

العربية تميز الصفة للشيء فتقول غولي والصفة للمرء المدمن فتقول غِوِّيل ومِغِويل على وزن خِمِّير وسِكِّير ومسكير (واللفظ الأخير يستوي فيه المذكر والمؤنث).

غوَّل alcooliser alcoholise, alcoholize

أضاف الغول إلى شراب، عالج بالغول (ويمكن أن نخصص لفظ غاول للمعنى الثاني)

ادمان الغوال، غُوال alcoolisme alcoholism

(على وزن فعال للدلالة على مرض)

حلغلة، اغويلال alcoolyse alcoholysis

اللفظ الأول منحوت من التحليل والغول، والثاني على وزن إحدى صيغ الاشتقاق التي تفيد التحول البطيء

استغوال alcoomanie alcohomania

وهو انسمام خفي بالغول يجعل المريض في حاجة ملحة إلى الشراب وهو دون المرض

مقياس الغول، مِغوال alcoométre alcohometer

قياس الغول، مغوالية alcoométrie alcohometry

غولز، رائز الغول alcootest alcohotest

Alcotest

وهو طريقة سريعة لكشف الغول في الدم.

وإنما أردنا بهذه المصطلحات المحصورة أن نضرب بعض الأمثلة في سهولة الاشتقاق والنحت والتركيب بعد اعتماد الأصل. وقد تهيئ العربية بهذه الطرق ألفاظاً قد يحتاج إليها الكاتب والباحث في المستقبل كالدلالة على صناعة الغول: غِوالة، وعلى صانع الغول: غوّال وهلم جرا على هذا القياس وهكذا نجدها أمرن وأسلس وأطوع من اللغات الأجنبية.

وقد عمدنا في المقال آنفاً إلى التركيز على إرساخ أصل المادة وهو الغول كما سلف.

ثم تأتي بعد ذلك صيغ الاشتقاق والنحت والتركيب توضع بين أيدي أساتذة الكيمياء الأفاضل الذين لهم اطلاع كاف على أصول اللغة العربية ومزاياها.

ولا بد بعد ذلك من سلطة علمية كاتحاد مجامع اللغة العربية تدعمها سلطة سياسية في اصطفاء المصطلح الأصلح وإقراره منعاً للفوضى وتحامياً للتعدد وتقليلاً من الترادف بل وصولاً إلى التوحيد ودفعاً لتخرّص المدعين.
--------------------
مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب- دمشق العددان : 11 - جمادى الآخر 1403 نيسان "أبريل" السنة الثالثة و 12 - رمضان 1403 تموز "يوليو" 1983

Nike Air Force 1 Shadow Beige White Orange CU3012-164 – Buy Best Price Adidas&Nike Sport Sneakers

التصنيف الفرعي: 
شارك: