ندوة اللغة العربية معالم الحاضر و آفاق المستقبل دمشق 26-29/10/1997 ـــ د. محمد حسان الطيان
أقام مجمع اللغة العربية بدمشق ندوة للغة العربية عنوانها :" اللغة العربية معالم الحاضر وآفاق المستقبل" شارك فيها نحو من خمسة وعشرين باحثاً من الأٌقطار العربية الشقيقة، ومن القطر العربي السوري، وحضرها لفيف من العلماء والباحثين من أعضاء مجمع اللغة العربية وأساتذة الجامعة. وقد عقدت الندوة في قاعة المحاضرات في رحاب مجمع اللغة العربية بدمشق في المدة من 26/10/ حتى 29/ 10/ 1997. واستُهِلَّت بحفل افتتاح تمَّ في مكتبة الأسد الوطنية تحت رعاية الدكتورة صالحة سنقر وزيرة التعليم العالي، وكانت الكلمة الأولى فيه للأستاذ الدكتور شاكر الفحام رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق، والكلمة الثانية للأستاذ الدكتور عبد الله الطيب رئيس المجمع السوداني ممثلاً للوفود المشاركة، ثم ختمت السيدة الوزيرة راعية الندوة بكلمة رحَّبت فيها بالضيوف العلماء ورجت لهم التوفيق والسداد في ندوتهم.
حدَّد القائمون على الندوة مسارَ بحوثها في محاور خمسة هي:
1- مشكلة الأداء في اللغة العربية.
2- التعريب والمصطلح.
3- تيسير مباحث العربية.
4- المعجم العربي.
5- مستقبل اللغة العربية.
واستجابت البحوث لهذا فتناولت محاور الندوة على نحوٍ استغرقها، وطرح فيها العديد من وجهات النظر، إذ تعاقب على كل محور غير ما بحث ، فكان في ذلك غنىً للمحور، وتوسعٌ في مناقشة ما يمكن أن يرد فيه من أفكار. هذا وقد توزعت بحوث الندوة على ستّ جلسات علمية، تمَّ في أولها انتخاب الأستاذ الدكتور شاكر الفحام رئيساً للندوة والأستاذ الدكتور عبد الكريم الأشتر مقرراً لها . ثم بدأ إلقاء البحوث المشاركة تباعاً ، وخصص وقت في آخر كل جلسة للمناقشات والمداخلات والتعقيبات.
وسأعرض فيما يلي لعناوين البحوث في كل محورٍ مقتصراً في العرض والتحليل على بحثٍ متخيّرٍٍ من كل محور منها بما يقتضيه المقام في هذا المقال:
المحور الأول: مشكلة الأداء في اللغة العربية
والمراد من هذا المحور تحديداً أسباب الضعف في أداء العربية الفصحى وبيان أنجع الوسائل للقضاء على هذه الأسباب بغية الوصول إلى سلامة في الأداء وتمكّن من العربية. وقد ألقيت فيه البحوث التالية:
1- مشكلة الأداء في اللغة العربية، أسباب الضعف ووسائل العلاج . للأستاذ الدكتور عبد الله الطيب رئيس مجمع اللغة العربية في السودان ورئيس مجلس جامعة الخرطوم- من السودان.
2- مشكلة الأداء في اللغة العربية. للأستاذ الدكتور عبد الكريم الأشتر الأستاذ في جامعة دمشق، ورئيس قسم اللغة العربية فيها سابقاً- من سورية.
3- مشكلة الأداء في اللغة العربية. للأستاذ الدكتور مسعود بوبو رئيس الموسوعة العربية وعضو مجمع اللغة العربيية بدمشق - من سورية.
4- مشكلة الأداء في اللغة العربية للأستاذ الدكتور محمد مختار ولد أبّاه أستاذ الدراسات الإسلامية في دار الحديث الحسنية بالرباط- من موريتانيا.
5- مشكلة الأداء في اللغة العربية. للأستاذ الدكتور محمود أحمد السيد الأستاذ بكلية التربية بجامعة دمشق، والمدير الأسبق لإدارة التربية في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم- من سورية.
6- مشكلة الأداء في اللغة العربية في المغرب . للأستاذ الدكتور محمد بن شريفة الأمين العام لأكاديمية المملكة المغربية . من المغرب.
7- الإعلان وأثره في اللغة العربية. للأستاذ الدكتور عصام نور الدين أستاذ العلوم اللغوية بالجامعة اللبنانية - من لبنان.
في محاضرته "مشكلة الأداء في اللغة العربية، أسباب الضعف ووسائل العلاج " تناول الدكتور مسعود بوبو مفهوم الأداء فبيَّن أنه لا يقتصر على الإيصال والتلاوة والإتقان وإنما يتجاوز ذلك إلى كل ما من شأنه أن يؤثّر في اللغة العربية نطقاً وكتابةً وتعبيراً، مما يجعل المشكلة تتصدر همومنا العلمية والتعليمية وتمتد حتى تلامس الخطر القومي.ومن ثمّ بحث الدكتور بوبو عن أسباب المشكلة وحاول تحديدها موسِّعاً من دائرة هذه الأسباب ومخرجاً لها عن حيز الاقتصار على المدرسة أو الجامعة أو التعليم عموماً ، فهو يشرك كل هذه المؤسسات بالمسؤولية ويبرز جانباً آخر له تأثير كبير في ضعف الأداء وهو غياب الحافز القديم على إتقان العربية، فقد كانت العربية مطلباً حيوياً أثيراً... وكان تحصيلها استجابة لمتطلبات العقيدة الإسلامية ، وهو خير سبيل لصون لغة القرآن من فساد الألسنة.
وبعد ذلك عرض الدكتور بوبو لمحاولات التجديد والتيسير في النحو قديماً وحديثاً وأشار إلى أسلوب تناول المادة العلمية الذي يجري بطريقة إلقائية أو إملائية تلقينية كالقوالب الثابتة من جهة المدرّس، وحفظيةٍ خالصةٍ من جهة المتعلِّم، من غير حوار أو محاكمة أو اسستفسار، وبمعزل عن التذوق وتفجير الطاقات الكامنة... وجعل من أسباب الضعف في الأداء أيضاً تأثر بعض الأقطار العربية لغوياً بالاستعمار ، وازدحام بعض الأقطار بالدخلاء الأجانب:
" في هذا المضطرب زاحم العربية الدخيلُ واللغات الهجينة والتعدُّد اللغوي فوق ما تعانيه من ازدواج لغوي وجهل وأمية أحياناً ، فخفَّت جهارة صوتها القديم"
ثم عرض الباحث لمظهر من أعظم مظاهر هذا الضعف في الأداء يتجلَّى في وسائل الإعلام، حيث مثّل بأمثلة عملية تبدّى فيها مبلغ الجناية على العربية لدى بعض العاملين في الإعلام: " فإنّ هناك ضعفاً ملحوظاً في الأداء اللغوي الإعلامي: قراءةً، وإلقاءً، وصياغة أخبار وافتتاحيات، وتعليقات، وتحقيقات، ضعف يصل حدود الخطأ في القرآن الكريم...".
ولم يغفل الباحث ما للحكومات والهيئات والمؤسسات العلمية من عناية باللغة القومية تبدّت في إقامة ندوات واجتماعات ومحاضرات وبحوث، ومواجهة الغزو اللغوي بالحدَِّ من تفشِّي التسميات الأجنبية.
وقد أشار إلى الإجراءات التنفيذية التي تفرض العقوبات على المخالفين معتبراً هذه الإجراءات محرِّضاً لفعل شيء في طريق صون لغتنا ، وداعياً إلى عدم قصر المسألة على جهة معينة، بل لابدّ من تحمل الممسؤولية كاملة واشتراك كل المؤسسات (العلمية وغير العلمية) في هذه المسؤولية.
هذا وقد ختم الدكتور بوبو بحثه بجملة من الحلول نشير إلى أبرز ما جاء فيها:
1- البدء بحملة لتعميم القراءة في خطة منهجية شاملة.
2- إخراج الكتب التعليمية مشكولة الكلم، والحرص على تخيّر النصوص فيها، مما يمتع ويفيد من القديم والحديث، مع تعزيز منهج حفظ النصوص.
3- العمل على إرساء تقاليد الأداء اللغوي السليم في المؤسسات والإعلام، وتعميم الخطاب بالعربية الفصيحة قدر الإمكان، وتدريب الأجيال على ذلك.
4- التركيز على النحو الوظيفي، واستقراء النصوص واستخلاص الأحكام بالتأمل والمحاكمة لا بالوعظ والعقاب.
5- إخضاع فكرة تسهيل النحو لضوابط موضوعية حتى لا يؤول الأمر إلى التخلّي عن أصالة العربية وأسسها.
6- إخضاع الكتب والمناهج التعليمية إلى اختبارا وتقويم، وعقد دورات جادّة مطوّلة للمدرّسين بغية إعدادهم الإعداد المطلوب، والتركيز على التكامل في تحصيل العربية، نحواً وصرفاً وبلاغةً وإملاءً وأساليبَ....
7- قصر التجديد اللغوي أو التطور اللغوي على أرباب اللغة العالمين بها.
8- الإقبال على استخدام التقنيات الحديثة كالحواسيب والمخابر اللغوية وبرامج المعلوماتية الحديثة في الترجمة وتخزين المعاجم أو تصنيف القواعد....
المحور الثاني : التعريب والمصطلح
تناول هذا المحورَ بحوثٌ أربعة هي:
1- المصطلح العربي في عصر العولمة: للأستاذ الدكتور أحمد محمد الضبيب- من المملكة العربية السعودية.
2- نحو منهجية للتعريب اللفظي . للدكتور ممدوح خسارة المدرّس في جامعة الكويت- من سورية.
(وقد اعتذر عن عدم الحضور ولكن بحثه وزّع على المشاركين).
3- التعريب والمصطلح . للأستاذ شحادة الخوري الخبير السابق في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم- من سورية.
4- من تاريخ التعريب والمعرّب : تقريب الشيخ طاهر الجزائري - تهذيب الدكتور أحمد عيسى للأستاذ الدكتور عزّ الديّن البدوي النجار- من سورية.
في بحثه "المصطلح العربي في عصر العولمة" نبَّه د. أحمد الضبيب على الخطر المحدق بالعربية في عصرنا هذا عصر العولمة (Mondialisation ويقصد بها جعل الشيء في دائرة اهتمام العالم أجمع وفي متناول أهله أجمعين)، ليعالج الجانب الأكثر خطورة وهو المصطلح العربي، داعياً إلى مواجهة هذا السيل الجارف من المصطلحات الدخيلة باستنفار قدرات لغتنا العربية في كلِّ مجال قبل أن نستقبل الدخيل ونضمه إلى معجمنا اللغوي.
وقد استعرض جملة من الجهود التي بذلها علماء عصر النهضة وخالفِوهم من المجمعيين، وهي جهود تراوح بين دعوة إلى إحياء المصطلح العربي القديم، وتساهل وتوسع في استعمال الدخيل، ليخلص إلى أن الاتجاه عند معظم المتأخرين يسير نحو الترجمة الحرفية والتعريب دون تتبع للأصيل من الألفاظ في ثنايا كتب التراث، وضرب لذلك أمثلة، اقتصر على واحد منها وهو مصطلح ورد في معجم مصطلحات النفط ونصّه:" ادفع وتسلم " ترجمة للمصطلح الإنكليزي: Caeey Cash and . يقول:" وعندي أن هذه الترجمة الحرفية لا تجري على العرف العربي، بل إن العجمة بادية عليها وكان بالإمكان ترجمة المصطلح "بالمناجزة" وهو مصطلح يستعمله فقهاء المالكية في أبواب المعاملات المالية، ويعنون به قبض العوض عند العقد . ويقول العرب: بعته ناجزاً بناجز أي يداً بيد....".
مما يؤكد أن الترجمة - إن وجدت- يمكن أن تعدّ مرحلة أولى يلجأ إليها كسباً للوقت ولا بد أن تتبعها مرحلة تالية يردد العلماء والمختصون واللغويون النظر فيما ترجم من مصطلحات كي يصوبوا ما قد يكون اعتورها من قصور، ويضعوها في مكانها من اللغة العربية السائغة، فالمصطلح الأصيل المستمد من التراث أو ذلك المسكوك بالوسائل المتاحة للغة من قياس أو اشتقاق أو مجاز يجب أن يكون الهدف الأسمى لوضع المصطلح العربي.
يعرض الباحث بعد ذلك للشبهات التي واجهت هذا النوع من المصطلح الذي يدعو إليه فيناقشها واحدة واحدة مفنِّداً ما جاء فيها من ادعاءات لا تثبت على النظر.
ويختم بحثه بربط مشكلة المصطلح بمشكلة أكثر خطورة وأشدّ تأثيراً وهي مشكلة البحث العلمي الذي لم يأخذ بعد مكانه اللائق به عندنا. ثم يوصى بأمور أبرز ما جاء فيها:
1- بثّ الوعي اللغوي بين أبناء الأمة وإيقاظ غيرتهم على اللغة.
2- إنشاء مؤسسات متخصصة في حقول الترجمة تشبه بيت الحكمة العباسي.
3- تكوين أجيال من العلماء مزدوجي اللغة تمكنوا من ناصية العلم ومن اللغتين العربية والأجنبية .
4- تيسير المادة اللغوية العربية بتصنيف التراث اللغوي في كل العلوم حسب المعاني والاستعانة بالحاسوب لتذليل ذلك.
المحور الثالث: تيسير مباحث العربية:
النحو، والصرف، والبلاغة، والعروض، والإملاء
تناول هذا المحورَ بحوثٌ تسعةٌ هي:
1- إحياء العروض . للدكتور محمد حسان الطيان مدرّس اللسانيات في جامعة دمشق والباحث في مركز الدراسات والبحوث العلمية بدمشق.- من سورية.
2- العروض بين اللسانيات والإيقاع . للدكتور إسماعيل الكفري رئيس قسم اللغة العربية بجامعة دمشق (سابقاً) - من سورية.
3 - تيسير البلاغة. للأستاذ الدكتور أحمد مطلوب الأمين العام للمجمع العلمي ببغداد- من العراق.
(وقد وزِّع البحث على المشاركين دون أن يلقى لاعتذار الأستاذ الباحث عن الحضور).
4- نحو تيسير قواعد اللغة العربية. للأستاذ الدكتور أحمد حامد عضو مجمع اللغة العربية الفلسطيني ببيت المقدس- من فلسطين. (وقد وزِّع البحث على المشاركين دون إلقاء أيضاً لتخلّف صاحبه عن الحضور).
5- تيسير مباحث النحو والصرف. للأستاذ الدكتور سامي عوض رئيس قسم اللغة العربية بجامعة تشرين باللاذقية- من سورية.
6- نظرات في قواعد الإملاء العربية. للأستاذ الدكتور عمر الدقاق رئيس اللغة العربية بجامعة حلب (سابقاً) - من سورية.
7- إعادة صوغ قواعد العربية. للأستاذ يوسف الصيداوي الباحث المعروف وصاحب البرنامج التلفزيوني (اللغة والناس) - من سورية.
8- إعادة بناء مفاهيم النحو. للأستاذة الدكتورة حورية الخياط أستاذة طرائق تدريس اللغة العربية بكلية التربية بجامعة دمشق- من سورية.
9- العلل التعليمية وأهميتها في النحو العربي. للدكتور سعد الكردي مدرس النحو والصرف بجامعة البعث بحمص - من سورية.
ونظراً لكثرة بحوث هذا المحور فسأعرض لاثنين منها:
الأول بحثي " إحياء العروض" الذي مهَّدتُ له بعرض أسباب صعوبة هذا الفن، فذكرت منها:
1- إغفال الصلة بين العروض والموسيقا والنغم والإيقاع.
2- التوسل إلى تقطيع الأبيات بوضع الإشارات المختلفة التي تمثل المتحرك والساكن ولا تفيد شيئاً في معرفة الوزن.
3- ربط تعلم العروض بفهم البحور التي لا تجدي شيئاً في تيسير معرفة الوزن.
4- مواجهة الطالب بحشد من المباحث والمصطلحات العروضية المتداخلة.
5- البدء بالصعب من البحور والتدرج نحو الأسهل.
ثمّ بيّنت أن في تجنب أسباب الصعوبة هذه تيسيراً لتعليم العروض وتذليلاً لكثير من العقبات المعترضة طريقه، وأوليت السبب الأول اهتمام البحث الأساسي فحاولت أن أعيد الصلة القديمة بين العروض والغناء من جهة، وبين العروض والإيقاع من جهة أخرى.
أمّا الغناء أو النغم فقد أوضحت أن كل بحر من بحور الشعر المشهورة يمكن أن ينطبق على أغنيةٍ محفوظة أو أكثر، فيغَّني كما تغنَّي، أو ينطبق على نشيد محفوظ فيُنشَد كما يُنشَد، ومن ثمَّ تكون هذه الأغنية أو النشيد بمنزلة المفتاح لهذا البحر، فإذا ما حاول الطالب أداء بيت من الشعر ينتمي إلى هذا البحر على لحن تلك الأغنية طاوعه اللحن وانقاد له الغناء ، وإذا كان البيت من بحر آخر تأبّى عليه اللحن ولم ينقد له الغناء. وقد ضربت مثالاً على ذلك بالبحر المتدارك الذي يمكن أن ينطبق على لحن قصيدة " يا ليلُ الصبُّ" بأداء فيروز ، أو لحن قصيدة " مضناك جفاه مرقدهُ" بأداء الموسيقار محمد عبد الوهاب، أو لحن قصيدة" يا صاح الصبر وهى مني" بأداء الأستاذ صباح فخري.
وأما الإيقاع فيقتضي أن نقابل كل حرف متحرك بنقرة، وكل حرف ساكن بعدم النقرة، فإذا تتابعت لحروف المتحركة تتابعت النقرات ، وإذا جاء الساكن انقطعت، فتفعيلة: (فاعلن) تقابلها النقرات: تك تتكْ، و (فعولن) تقابلها : تِتِكْ تِكْ وهكذا. وما أيسر أن نطِّبق ذلك على البيت التالي:
زرنا يوماً قوماً عُربْاً * * * * * * * * * قالوا أهْلاً سهْلا رحبا
تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ * * * * * تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ تِكْ
ولا يقتصر الإيقاع على معرفة تقطيع البيت- بعد معرفة بحره غناءً- وإنما يعين إلى ذلك على تحديد ما اعتراه من جوازات، وما أصابه من علل وزحافات.
والبحت الثاني الذي سأعرض له في هذا المحور هو بحث الأستاذ يوسف الصيداوي:" إعادة صوغ قواعد العربية" الذي قصد منه إلى قراءة تراثنا النحوي واستلال القاعدة منه خالصة " من كل ما يحيط بها من تشعّب الآراء وكلّ ما يلابسها من التحيز لهذا المذهب أو ذاك . ثم إعادة صوغها بأسهل الألفاظ وأقربها وصولاً إلى العقل. وهو عمل شاقٌّ طويل، وجهد مبارك عظيم، أمضى الباحث فيه نحواً من خمس سنوات، انقطع فيها إليه انقطاع المستغرق المفتون- على حدِّ تعبيره- ثم بيّن مخطط عمله مشيراً إلى أنه كسر كتابه على ثلاثة أقسام:
الأول: فيه قواعد العربية، خالصةً من كل ما عداها وسماه (الكفاف) ليطابق اسمه مسمّاه.
والثاني : نماذج فصيحة، تلحق بكل بحث، بيّن فيها موضع القاعدة، وبسطها.
والثالث: تبينٌ لما استرشد به من المعالم والصُّوى، في ذهابه نحو القاعدة، ودفاع عن تجنبه ما تجنب ، وأخذه بما أخذ، مع ذكر للمصادر والمراجع. وسمّاه (الصُّوى إلى الكفاف).
وعرض الأستاذ الباحث لخمسة نماذج من كتابه ، نقتصر هنا على واحد منها وهو (المستثنى بـإلاَّ ) ففيه منبهةٌ على ما وراءه:
" المستثنى اسم يذكر بعد (إلاَّ ) مخالفاً ما قبلها نحو: (جاء الطّلاب إلآّ خالداً).
وهو منصوب قولاً واحداً، غير أنه إذا سبقه نفي أو شبهه، جاز مع النصب، إتباعه على البدلية مما قبله.
حُكمان:
الأول: قد يتقدم المستثنى على المستثنى منه، نحو: (لم يسافر إلاّ خالداً أحدٌ).
والثاني : قد يأتي المستثنى ولا صلة له بجنس ما قبله ، نحو : (وصلَ المسافرُ إلاّ أمتعتَه).
تمّ البحث فهذه هي قواعد المستثنى بـ (إلاّ) تامّة".
المحور الرابع: المعجم العربي
رمى هذا المحور، كما جاء في نصّ ما تدور حوله الندوة من محاور، إلى وصف المعجمات المتوافرة في الوقت الحاضر، وبيان ما فيها من مآخذ ، ووضع مشروع معجم عربي حديث يفي بجميع المتطلبات.
وقد تناول موضوع هذا المحور بحوثٌ أربعة وهي:
1- المعجم العربي. للدكتور جورج متري عبد المسيح المشرف على القسم العربي في دائرة النشر والمعاجم في مكتبة لبنان. من لبنان.
2- المعجم اللغوي المنشود بين معاجمنا القديمة والحديثة. للأستاذ محمود فاخوري أستاذ النحو والصرف في قسم اللغة العربية بجامعة حلب- من سورية.
3- المعجم العربي اللااشتقاقي. للأستاذ الدكتور عبد الإله نبهان الاستاذ في قسم اللغة العربية بجامعة البعث في حمص - من سورية.
4- المعجم الحاسوبي للعربية. للأستاذ مروان البوّاب رئيس مجموعة اللغة العربية في المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا بدمشق- من سورية.
ولما كان هذا البحث الأخير مشتركاً بين المحور الرابع والخامس فسأقتصر في العرض عليه بعد ذكر بحوث المحور الخامس.
المحور الخامس : مستقبل اللغة العربية
والمراد من هذا المحور دراسة وسائل تحديث اللغة العربية، واستغلال الإمكانات التقنية، ومنها الحاسوب ، لتستطيع هذه اللغة مسايرة التطور العلمي والتقني المتسارع.
وقد تناول موضوعَ هذا المحور بحوثٌ أربعة وهي:
1- اللغة العربية في القرن الحادي والعشرين. للأستاذ الدكتور محمود فهمي حجازي عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ورئيس قسم اللغة العربية بجامعة القاهرة- من مصر.
2- الحاسوب في خدمة اللغة العربية. للأستاذ الدكتور محمد مراياتي مدير المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا بدمشق (سابقاً) - من سورية.
3- المعجم الحاسوبي للعربية. للأستاذ مروان البوّاب.
4- أبواب الفعل الثلاثي. دراسة لغوية تحليلية إحصائية باستخدام الحاسوب . للأستاذ الدكتور محمد جواد النوري نائب رئيس مجمع اللغة العربية الفلسطيني ببيت المقدس- من فلسطين.
وهذا أوان الكلام على المعجم الحاسوبي.
عرّف الأستاذ الباحث مروان البوّاب المعجم الحاسوبي بأنه معجم للغة العربية يعمل بالحواسيب الشخصية على اختلاف أنواعها ، يحتوي على بيانات وجداول وقواعد تمكنه من عرض جميع المعارف المعجمية بسهولة ويسر، كما تمكِّن من إجراء عمليات بحثٍ متنوعة . فهو بذلك يلبّي حاجة المعلمين والمتعلمين، والمختصين ، وغير المختصين على حدٍّ سواء.
ثم ذكر الأستاذ الباحث أهم مزايا هذا المعجم ، فمن ذلك : تضمنه جميع المعجمات المطبوعة، وقدرته على تصريف الأفعال والأسماء في جميع حالاتها الصرفية، وإيراده جميع المفردات القياسية والسماعية ، واعتماده في عرضه للمعارف اللغوية على الوسائل الحاسوبية الحديثة Multmedia، ومما يمتاز به أخيراً سهولة التعامل وسرعة الأداء.
أما ما يتعلق بالنقاط التي ينبغي مراعاتها عند أعداد المعجم الحاسوبي ، فقد عرض الأستاذ الباحث ثلاث نقاط هي:
1- حسم أوجه الخلاف بين المعجمات، واعتماد الراجح واستبعاد المرجوح.
2- استغراق المعجم جميع مواد العربية، والشواهد والأمثلة والتراكيب اللغوية والعبارات الاصطلاحية.
3- تحديد المعارف الصرفية والنحوية والدلالية ، كلزوم الفعل وتعديته، ونوع الكلمة، وجموع التصحيح والتكسير، والاستعمال الصحيح للكلمة.
ثم ختَم البحثَ بعرض إحصاءٍ للإفعال العربية في المعجم الحاسوبي، ذكر فيه طائفةً من النتائج الإحصائية تعكس دقة العمل في هذا المعجم وجانباً من وجوه الإفادة منه.
لقد\ آتت بحوث الندوة أكلها على خير وجه، إذ عرضت لكل ما جاء في محاور الندوة من موضوعات، وكان الخير كل الخير في تعاقب أكثر من بحث على موضوع واحد، إذ أتاح المزيد من الإغناء وتعدد وجهات النظر، ومن ثم الخروج بمقترحات تغطي جميع الجوانب المطروقة. ولا شكَّ أن في اجتماع هذا اللفيف من العلماء والباحثين على اختلاف أوطانهم وثقافاتهم ومواردهم النفعَ العميمَ للعربية في حاضرها الزاهر ومستقبلها المشرق.
وبعد انتهاء أعمال الندوة عقدت جلسة ختامية للمقررات والتوصيات ترأسها الأستاذ الدكتور شاكر الفحام نوقشت فيها التوصيات والمقترحات التي انتهت إليها الندوة ، وفيما يلي نصها الكامل:
أولاً :توجيه الشكر العميق إلى مجمع اللغة العربية والقائمين من أعضائه بتنظيم الندوة تقديراً للجهود التي بذلت في الإعداد للندوة وتنظيمها.
ثانياً : يسعى مجمع اللغة العربية بدمشق بالتعاون مع اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية في تأليف لجنة من كبار المختصين في البلاد العربية مهمتها تأليف مرجع ميسر لقواعد النحو والصرف والإملاء بمعزل عن تشعب الآراء والتعقيد ، ثم إخراجه في طبعة رخيصة الثمن ليكون في متناول الناشئة والطلاب.
ثالثاً : يسعى مجمع اللغة العربية بدمشق بالتعاون مع اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية في تأليف لجنة من المختصين بالتراث العربي لوضع كتاب يضم مختارات من كتب التراث موزعة على جملة المعارف الإنسانية لتعريف الباحثين والطلاب بعيون التراث العربي. وإصدار هذا الكتاب في طبعة رخيصة ليكون في متناول المعنيين بالتراث العربي.
رابعاً : بذل مزيد من العناية في أعداد مدرس اللغة العربية، وتقويم أساليب تعليم اللغة العربية باستغلال الوسائل التقنية الحديثة والوسائل السمعية والبصرية ، وإقامة ندوات لمدرسي اللغة العربية تطلعهم على أنجع طرق التدريس وتدريبهم على استعمالها.
خامساً : السعي في جعل اللغة العربية المبسطة تعلم في رياض الأطفال والمدارس الابتدائية وتشجيع الأطفال على استعمالها والتماس الوسائل المعينة على تعليمها لهم. وكذلك تشجيع الطلاب في المراحل الثانوية والعالية على استعمالها.
سادساً : السعي لدى وزارة الإعلام في الأقطار العربية ولدى المسؤولين فيها لتوجيه مؤلفي المسلسلات والمسرحيات المذاعة أو المتلفزة إلى استخدام اللغة العربية المبسطة فيما يؤلفونه، وكذلك الحد من طغيان العامية في الإعلانات التي تنشر في الصحف أو تعلن في الشوارع.
سابعاً : إلزام المحال التجارية والمطاعم ودور الملاهي والمؤسسات العامة والخاصة وغيرها باستعمال الألفاظ العربية في تسمية محالّهم وعدم اللجوء إلى اللغات الأجنبية.
ثامناً : مطالبة الحكومات العربية باتخاذ القرارات التنفيذية الحاسمة بتعريب التعليم العالي والجامعي تعريباً كاملاً . دون إغفال إلزام الطلاب في مختلف الكليات والمعاهد العلمية بتعلم إحدى اللغات الأجنبية الحية.
تاسعاً : توجيه المعلمين والمدرسين في مراحل التعليم كافة إلى استخدام اللغة العربية المبسطة في مختلف المواد الدراسية لدى إلقائهم دروسهم ومحاضراتهم، وتشجيع طلبتهم على استخدامها.
عاشراً : حث المجامع اللغوية العلمية العربية على بذل مزيد من العناية في وضع المصطلحات العلمية والتقنية وفي مختلف مناحي المعرفة باستخدام المنهجية السليمة في وضعها واستخدام جميع الطرائق المتاحة كالاشتقاق والوضع والتعريب والنحت وغيرها.والسعي في توحيد هذه المصطلحات بالتعاون مع اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية، ثم إصدار هذه المصطلحات الموحدة في كتب أو نشرات توزع على أوسع نطاق ولا سيما وزارات الاعلام مع التماس الوسائل الكفيلة باستخدام هذه المصطلحات في جميع المؤلفات والكتب المترجمة ووسائل الإعلام المختلفة.
حادي عشر: أن يعمل اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية في إصدار معجم اشتقاقي حديث يفي بجميع المتطلبات على أن يراعى فيه سهولة المراجعة وتطور دلالات الألفاظ واستقصاء ما أقرّ من المصطلحات الموحدة وفاءً بحاجة الباحث المعاصر.
ثاني عشر: الاستفادة من الحاسوب والوسائل التقنية الحديثة في المجامع العربية واتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية لاختزان جميع الألفاظ العربية والمصطلحات والمواد المعرفية وتسجيلها في الاسطوانات والحافظات وأجهزة التسجيل لتمكين الباحثين من الاستفادة منها بطريقة ميسرة سريعة.
ثالث عشر: السعي في إصدار معجمات متخصصة في مختلف العلوم والمعارف وكذلك إصدار معجم تاريخي يبين تطور دلالات الألفاظ منذ العصور القديمة حتى الوقت الحاضر.
رابع عشر: دعوة المجامع اللغوية العلمية العربية إلى متابعة عقد ندوات حول اللغة العربية تعالج مشكلاتها ومستقبلها
خامس عشر: إيصال توصيات هذه الندوة إلى المسؤولين في الأقطار العربية كافة ومناشدتهم السعي في إنفاذها.
سادس عشر: جمع بحوث هذه الندوة وإصدارها في كتاب يوزع على أوسع نطاق لتتم الاستفادة منها.
سابع عشر : توجيه الشكر إلى الحكومة السورية لعقدها هذه الندوة في رحاب مجمع اللغة العربية بدمشق وتحملها نفقاتها وعنايتها باللغة العربية وسعيها في ارتقائها، وتوجيه برقية شكر إلى القائد حافظ الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية لرعايته الكريمة للغة العربية وعلمائها.
إنَّ ما بذله مجمع اللغة العربية بدمشق من جهودٍ في سبيل عقد هذه الندوة والعمل على إنجاحها ، والسهر على متابعة بحوثها وتوزيعها كاملة على جميع المشاركين قبل إلقائها لخليق بالثناء والتقدير ، كيف لا وقد استنفر في سيبل ذلك كل الجهود، واستنفر كل الطاقات، بدءاً برئيسه الأستاذ الدكتور شاكر الفحام ونائبه الدكتور إحسان النص وأعضائه الموقرين، وانتهاء بكل عاملٍ فيه، فلهم جميعاً كل الشكر على ما بذلوه خدمةً للعربية وصوناً لها، وإبقاءً على رايتها خفاقةً عاليةً في دنيا العروبة والإسلام.
--------------
نشر هذا البحث في :
مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العددان 71 - 72 - السنة 18 - تموز "يوليو" 1998 - ربيع الأول 1418